وهو ما قالوا : (قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ) ، و (قُلُوبُنا غُلْفٌ) [البقرة : ٨٨] ونحوه من الخيال ؛ فلو جاز صرف هذه الآيات إلى ما ذكروا من الخيال لجاز لغيرهم صرف الكل إلى مثله ؛ فهذا بعيد ، ولكن عندنا أن إضافة ذلك إلى نفسه تدل على أن له فيه صنعا وفعلا ، وهو أن يخذلهم باختيار ما اختاروا هم ، أو أضاف ذلك إليه ؛ لما خلق ظلمة الكفر في قلوبهم ، وهذا معروف في الناس : أن من اعتقد الكفر يضيق صدره ويحرج قلبه ؛ حتى لا يبصر غيره ، وهو ليس يعتقد الكفر لئلا يبصر غيره ولا يهتدي إلى غيره ، لكن لا يبصر غيره ، فيدل هذا أنه يصير كذلك ؛ لصنع له فيه. وكذلك من اعتقد الإيمان يبصر بنوره أشياء ، وهو ليس يعتقد الإيمان ليبصر بنوره أشياء غابت عنه ؛ دلّ أنه بغيره أدرك ذلك ، وكذلك المعروف في الخلق أن من اعتقد عداوة آخر ، يضيق صدره بذلك ، وكذلك من اعتقد ولاية آخر ينشرح صدره له بأشياء.
فهذا كله يدلّ أن لغيره في ذلك فعلا ، وهو ما ذكرنا من الخذلان والتوفيق ، أو خلق ذلك منهم ـ والله أعلم ـ فيدخل فيما ذكرنا في قوله : (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً ...) الآية [الأنعام : ٢٥] ، وأصله أن ما ذكر من الحجاب والغلاف والأكنة إنما هو على العقوبة لهم لعنادهم ومكابرتهم الحق ؛ لأنهم كلما ازدادوا عنادا وتمردا ازدادت قلوبهم ظلمة وعمى ، وهو ما ذكر في غير آية ؛ [حيث](١) قال : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ ...) الآية [الصف : ٥] ، وقال : (ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) [التوبة : ١٢٧] ، وقال : (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) [المطففين : ١٤] : أخبر أن ما ران على قلوبهم بكسبهم الذي كسبوا ، وأزاغ قلوبهم باختيارهم الزيغ ، وصرف قلوبهم باختيارهم الانصراف ؛ فعلى ذلك ما ذكر من جعل الحجاب والأكنة عليها بما كان منهم ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً).
قال بعضهم : الشيطان إذا ذكر الله ولى عنه [وأعرض](٢) وفرّ منه ، وهو ما ذكر : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ ...) الآية [الأعراف : ٢٠٠] ، وقال : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا ...) الآية [الأعراف : ٢٠١].
وقال بعضهم : (وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً) : الإنس ، أي : ولوا عما دعوهم إليه ، وأقبلوا نحو أصنامهم التي عبدوها.
وقوله : (وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ) يحتمل : وإذا ذكرت دلالة وحدانية ربك
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في أ.