بخمرهن على جيوبهن ، يقول : ليرخين بخمرهن على الصدر والنحر فلا يرين منها شيئا (١).
قال : وكن النساء قبل هذه الآية إنما يسدلن خمرهن سدلا من ورائهن كما يصنع النبط ، فلما نزلت هذه الآية شددن الخمر على النحر والصدر.
وفي الآية دلالة أن دروع النساء كانت جيب ؛ لأن الجيب إنما تكون للدروع ، وذلك كان لباس النساء ، وقد روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه نهى الرجال عن لبسة النساء ، وأنه لعن المتشبهين من الرجال بالنساء (٢).
وروي أنه لعن الرجل يلبس لبسة المرأة ، والمرأة تلبس لبسة الرجل (٣).
وعن ابن عباس : «لعن النبي المؤنثين من الرجال والمذكرات من النساء» (٤). وكأنه مكروه للرجل ـ والله أعلم ـ أن يلبس فراعة وحدها لا قميص تحتها ؛ لأن ذلك لباس النساء إلا أن يكون لها شق ذيل ، فخرجت من لبس النساء ، ولم تكره للرجال ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها) جائز أن يكون قوله : (إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها) : إنما يباح النظر إلى الوجه للحاجة ، وأما على غير الحاجة فلا يباح ؛ لما ذكرنا من قوله : (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ...) الآية [الأحزاب : ٥٩] ، وقوله : (وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَ) ؛ فعلى ذلك ترك النظر إلى وجه المرأة أطهر للنساء وللناس جميعا ؛ فلا يباح ذلك إلا عند الحاجة إليه ، وهو معرفتها ؛ ليقيم به الشهادة.
فإن قيل : أليس النظر يسع إلى مواضع الزينة الخفية للأجنبي ؛ للتداوي بها؟
قيل : يسع ذلك للضرورة وأما للحاجة فلا ، ومسألتنا في الحاجة ليست في الضرورة.
ثم قوله : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَ) إلى آخره ما ذكر : جائز أن يكون المراد برخصة النظر إلى الزينة لهؤلاء المسمين في الآية رخصة النظر إلى نفس الزينة لا موضع
__________________
(١) أخرجه ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير بنحوه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٧٦).
(٢) أخرجه البخاري (١١ / ٥٢١) ، كتاب اللباس : باب المتشبهين بالنساء (٥٨٨٥) ، وأحمد (١ / ٢٢٥ ، ٢٢٧) ، والترمذي (٤ / ٤٨٦) ، كتاب الأدب : باب ما جاء في المتشبهات بالرجال من النساء (٢٧٨٤) ، وأبو داود (٢ / ٤٥٨) ، كتاب اللباس : باب لباس العشاء (٤٠٩٧) ، وابن ماجه (٣ / ٣٤٤) ، كتاب النكاح : باب في المخنثين (١٩٠٤).
(٣) أخرجه أبو داود (٢ / ٤٥٨) ، كتاب اللباس : باب لباس النساء (٤٠٩٨) ، وابن حبان في الموارد (٣٥١) ، وأحمد (٢ / ٣٢٥) ، والحاكم (٤ / ١٩٤).
(٤) أخرجه البخاري (١١ / ٥٢٢) ، كتاب اللباس : باب إخراج المتشبهين بالنساء من البيوت (٥٨٨٦) ، والترمذي (٢٧٨٥) ، في المصدر السابق.