وقوله : (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَ) أي : لا تضربن إحدى رجليها على الأخرى ليقرع الخلخال بالخلخال.
(لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَ) أي : ما يواري الثياب من الزينة وهو الخلخال قد أخفاه الثياب ؛ نهيت المرأة عن ضرب رجلها ؛ ليعلم الرجال ما تخفي من زينتها ، وذلك محظور عليها ، لما يخرج ذلك مخرج ترغيب الناس وحثهم عليها ، فالزينة في الأصل ما جعلت إلا للترغيب والتحريض على أنفسهم ، وهي الداعية إلى النظر والشهوة ، وفي ترك ذلك وترك المرأة الزينة صيانتها ، وصيانة الرجال ، وإبعادهم جميعا من الزينة ، والرغبة ، فكشف الشابة عن وجهها ، ونظر الرجل بشهوة إليها أحرى أن يكون محظورا عليه ، منهيّا عنه (١) ، والله أعلم بالصواب.
وقوله : (وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) هذا يحتمل وجهين :
يحتمل قوله : (وَتُوبُوا إِلَى اللهِ) أي : ارجعوا إلى الله بالطاعة له والخضوع ؛ لتكونوا مفلحين.
أو أن يكون قوله : (وَتُوبُوا إِلَى اللهِ) ارجعوا عما قدمتم من المعاصي والمساوئ ، واجعلوا مكان ذلك طاعة له ؛ ليعفوا عنكم ما قدمتم من المعاصي ، والله أعلم.
قوله تعالى : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٣٢) وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٣) وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ)(٣٤)
وقوله : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ) الأمر بالإنكاح وإن خرج مخرج أمر واحد في الظاهر فهو في الحقيقة على أقسام :
الأمر في تزويج الإماء والعبيد يخرج مخرج الترغيب والتحريض.
وفي الأحرار يخرج مخرج المعونة والتقوية ؛ لأن من بلغ ولده النكاح ذكرا أو أنثى استثار أقرباءه ، وأهل أنسابه ، والمتصلين به في ذلك ، واستعانهم على ذلك ، ولا كذلك السادات في المماليك ؛ دل أن الأمر في أحدهما يخرج على المعونة ، وفي الآخر على
__________________
(١) ينظر : اللباب (١٤ / ٣٦٢).