لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ) [النور : ٤٠] فهو يتقلب في ظلمات.
وقال بعضهم (١) : في قوله : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : بنوره يهتدي من في السموات ومن في الأرض على ما ذكرناه (مَثَلُ نُورِهِ) في قلب المؤمن (كَمِشْكاةٍ) وهي الكوة غير النافذة على ما ذكرنا (فِيها مِصْباحٌ) أي : سراج (كَوْكَبٌ دُرِّيٌ) : مضيء ، أي : منسوب إلى الدرّ ؛ وهو قول القتبي (٢).
وقال أبو عوسجة : (كَمِشْكاةٍ) : الكوة التي تكون في الحائط ؛ ومثال جماعته : الكوة ، و (كَوْكَبٌ دُرِّيٌ) : مثل لسانه وصدره وقلبه (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ) قال : يكاد محمد يبين للناس وإن لم ينطق.
وعن الضحاك بن مزاحم (٣)(كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ) قال : خلقت الكواكب من نار يقال لها : دري ؛ فمن ثمة قال : (كَوْكَبٌ دُرِّيٌ).
وقد ذكرنا قولهم في المشكاة :
قال بعضهم : الكوة : التي لا منفذ لها.
وقال بعضهم : الفتيلة.
وقال بعضهم : الفتيلة التي في جوف القنديل نفسه.
وقال بعضهم : القائم في وسط القنديل ، وهو موضع الفتيلة.
وقال بعضهم : هي الحدائد التي يعلق بها القنديل.
وأما الزجاجة فهي القنديل.
ثم إن كان قوله : (مَثَلُ نُورِهِ) أي : نور المؤمن ، فليس ذلك وصف كل مؤمن ونعته ، ولكن وصف المؤمن الذي يجتمع فيه جميع شرائط الإيمان وجميع الأخلاق الحسنة والآداب ؛ لأنه وصفه بطهارة نفسه وجسده وقلبه وجميع أعماله وأفعاله ؛ لأنه قال : (كَمِشْكاةٍ) ، وهي قلبه (فِيها مِصْباحٌ) وهو صدره الذي في قلبه المصباح والزجاجة وهو الإيمان الذي في صدره ، ثم نعت الزجاجة فقال : (كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ) أي : مضيء.
وقال بعضهم : من الدر ، فوصف الكل بالضياء والنور وطهارة الداخل منه والخارج ونقاوته ، فهو المؤمن الذي يجتمع فيه جميع الشرائط والخصال المحمودة ، وأما كل مؤمن فلا يحتمل ، وهذا أشبه ؛ ألا ترى أنه ذكر نعت الكافر من بعد وخبثه حيث قال :
__________________
(١) قاله أنس بنحوه ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٦٠٨٦).
(٢) ينظر : تفسير غريب القرآن (٣٠٥).
(٣) أخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم بنحوه (٥ / ٨٩).