كان يمنعهم عن إجابة من أراد إجابته والاقتداء به.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً).
اختلف فيه :
قال بعضهم : لا يستطيعون إلى ما قصدوا من منع الناس عنك وصدّهم سبيلا.
وقال بعضهم : لا يستطيعون إلى المكر به والكيد له سبيلا ؛ لأنهم قصدوا به ذلك.
وقال بعضهم : لا يستطيعون إلى ما نسبوه إليه سبيلا.
وقال الحسن : لا يجدون إلى الهدى والإيمان سبيلا ؛ لما طبع على قلوبهم وجعلها في أكنة وغلف.
ويحتمل أن يكون قوله : فلا يستطيعون إلى الاحتجاج على الحجج والدلالات التي أقامها رسول الله صلىاللهعليهوسلم على التوحيد والرسالة والبعث سبيلا ، والله أعلم.
قوله تعالى : (وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٤٩) قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً (٥٠) أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً (٥١) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً)(٥٢)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً)
أي : أإذا كنا عظاما بالية ناخرة و (وَرُفاتاً) ، قيل (١) : ترابا ، وقيل (٢) : غبارا ، وقيل (وَرُفاتاً) : أي : بالية ؛ حتى إذا فتتت ـ تكسرت وذهبت ، كقوله : (أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً. قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ) [النازعات : ١١ ، ١٢] ، أي : غير كائنة ، قالوا ذلك كله : إنكارا للبعث واستهزاء به أنهم يبعثون ويجزون بأعمالهم ، وهذا كأنهم قالوا ذلك على التعجب ، والاستبعاد عن كون ذلك ، والاستهزاء بذلك ، والجهل به هو الذي حملهم على التعجب والاستهزاء بما ذكر.
أنكر هؤلاء الكفرة قدرة الله على البعث كما أنكر المعتزلة قدرته على خلق أفعال العباد ، وليس لهم الاحتجاج على أولئك الكفرة بإنشاء الأوّل ؛ لأن لهم أن يقولوا : إنكم تقرون بالقدرة على خلق الأول ، وتنكرون خلق أفعالهم ، وليس لكم الاحتجاج.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً. أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ).
__________________
(١) قاله مجاهد ، أخرجه ابن أبي شيبة ، وابن جرير (٢٢٣٤٥) و (٢٢٣٤٦) وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٣٣٩).
(٢) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٢٣٤٧) ، وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٣٣٩).