على هذين الوجهين جائز أن يخرج تأويل الآية.
وقوله : (وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ) عن ذلك كله (خَيْرٌ لَهُنَ) ، والله أعلم.
قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (٦١)
وقوله : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ...) الآية.
اختلف في تأويله : قال بعضهم (١) : إن الرجل الصحيح كان يتحرج من مؤاكلة الأعمى والأعرج والمريض ؛ إشفاقا عليهم ورحمة ؛ يقول : إنه لا يبصر طيب الطعام ، فلعله يأكل الخبيث وأنا آكل الطيب ، ويقول : إن الأعرج لا يستوي جالسا إذا قعد فلا يقدر أن يتناول فيما أتناول أنا ، وإن المريض لا يأكل مثل ما يأكل الصحيح.
وكان الرجل لا يأكل من بيت أبيه ، ولا من بيت أمه إذا لم يكونا فيه ، وكذلك ما ذكر ... إلى آخره ، حتى يكونوا فيه ، وكذلك الصديق وهؤلاء ، فأنزل الله هذه الآية في رخصة ذلك كله.
وقال بعضهم (٢) : إن هؤلاء الزمنى والعميان والعرجى والمرضى وأولي الحاجة منهم يستتبعهم رجال إلى بيوتهم ويستضيفونهم ، فإن لم يجدوا لهم طعاما أو شيئا يأكلونه ذهبوا بهم إلى بيوت آبائهم ومن عدّد معهم ، فكره ذلك المستتبعون التناول من غير بيوت أولئك بلا دعوة ولا إذن سبق منهم ؛ فأنزل الله في ذلك إباحة لهم ورخصة ، وأحل لهم الطعام حيث وجدوه.
وقال [بعضهم] : إن الأعمى والأعرج والمريض وهؤلاء الذين كانت بهم زمانة كانوا يتحرجون من مؤاكلة الأصحاء ؛ مخافة أن يتقذذوا منهم ويستقذروا ؛ يقول الأعرج : لا أؤاكل الناس ؛ لأني آخذ من المجلس مكان رجلين وأضيق عليهم ، وقال الأعمى : إنّي أفسد عليهم طعامهم ، وكذلك المريض منهم يقول مثل ذلك ؛ فأنزل الله الرخصة في ذلك
__________________
(١) قاله الضحاك ، أخرجه ابن جرير (٢٦٢٢٠) ، وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ١٠٦).
(٢) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٦٢٢١ ، ٢٦٢٢٢) ، وانظر : الدر المنثور (٥ / ١٠٦).