(قَلِيلاً) ، ويسيرا ، دلّ ذلك أنهم لم يكونوا في عذاب وبلاء.
ويتأولون قوله : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا) [غافر : ٤٦] على التقديم والتأخير ، يقولون تأويله : ويوم القيامة أدخلوا آل فرعون أشدّ العذاب النار يعرضون عليها غدوّا وعشيّا ـ ليس على ألّا يكون لهم عذاب فيما بين ذلك ؛ ولكن على ما [ذكر](١) في الجنة : (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا) [مريم : ٦٢].
ومن يقول بالعذاب في القبر يقول : قوله : (وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً) في الدنيا ، أو يقولون ذلك في وقت وهو ما بين النفختين.
كذلك يقولون : إنه يرفع عنهم العذاب ما بين النفخة الأولى والثانية ، وهذا احتيال.
ويقال ـ أيضا ـ : ليس في استقلالهم المقام والاستقصار ما يدلّ على أن لم يكن لهم عذاب في القبر ؛ لأن العرف في الناس أنهم [إذا] كانوا في بلاء وشدّة ونوع من المرض ، ثم نزل بهم ما هو أشدّ من ذلك وأعظم ؛ استصغروا ما كانوا هم فيه ونسوا ذلك ؛ فعلى ذلك هؤلاء إذا عاينوا عذاب القيامة وأهوالها وأفزاعها استصغروا ما كان بهم من العذاب في القبر ، ونسوا ذلك ؛ ألا ترى أنهم إذا عاينوا الجنة ونعيمها نسوا ما كان لهم من النعم في الدنيا ، ولا شك أنه قد كان لهم نعيم في الدنيا فعلى ذلك العذاب.
وقال أبو عوسجة : (وَرُفاتاً) ، قال : رفاتا منكسرة ، وفتته ، أي : كسرته.
وقال القتبي (٢) : (أَكِنَّةً) [الإسراء : ٤٦] : جمع كنان ، مثل غطاء وأغطية.
(وَإِذْ هُمْ نَجْوى) ، أي : يتناجون ، يسار بعضهم بعضا أنه مجنون ، وأنه ساحر كاهن وأساطير الأولين.
وقال بعضهم : كان نجواهم ما ذكر في سورة الأنبياء حين قالوا : (هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ ...) الآية [٣] ؛ فذلك قوله : (وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ) [الفرقان : ٨] ، أي : ما تتبعون (إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً). قال أبو عبيدة (٣) : (مَسْحُوراً) ؛ أي : قد سحر به ، وهو يناقض قولهم ، وقد ذكرنا وجه تناقض قوله فيما تقدم ، والله أعلم.
قوله تعالى : (وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً (٥٣) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) انظر : تفسير غريب القرآن ص (٢٥٥) ، لابن قتيبة.
(٣) انظر : مجاز القرآن (١ / ٣٨١).