(٥٤) وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً)(٥٥)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).
يحتمل قوله : (الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) الوجوه الثلاثة :
أحدها : الدعوة ؛ كقوله : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) [النحل : ١٢٥] : أمره أن يدعوا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة ؛ فالتأنيث للدعوة ، كأنه قال : ادع لهم الدعوة التي هي أحسن الدعوة ، على إضمار الدعوة.
وجائز على إضمار الحسنة ، أي : قل لهم أن يقولوا لهم الحسنة التي هي أحسن.
أو على إضمار الأقوال ؛ كأنه قال : يقولوا لهم الأقوال التي هي أحسن الأقوال ، وإلا ظاهره أن يقول : «يقولوا الذي (١) هو أحسن».
والثاني : على إضمار المجادلة ـ المناظرة ـ معهم ؛ كقوله : (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل : ١٢٥] : أمر رسوله أن يجادلهم أحسن المجادلة والمحاجة معهم.
والثالث : في حسن المعاملة معهم والعفو والصفح عما كان منهم إلى المسلمين من أنواع الأذى فأمرهم أن يحسنوا معاملتهم ويصفحوا عنهم ، كقوله : (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [المائدة : ١٣] ، وكقوله : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ...) الآية [المؤمنون : ٩٦] ، وقوله : (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ ...) الآية [آل عمران : ١٤٣] ونحوه من الآيات : أمرهم أن يعاملوا أولئك أحسن المعاملة ، [وهو أن الله يتركهم](٢) ولا يكافئهم بسوء صنيعهم ، ولكن يعفون عنهم ، ويصفحون لما لعلهم يكونون أولياء وحميما على ما أخبر ، ويصيرون إخوانا لهم من بعد هذا في حق هذه الآية.
وأمّا من جهة الحكمة ، وهو أن الله ـ تعالى ـ أنشأ هذا اللسان وجعله ترجمانا بين الخلق : به يفهم بعضهم من بعض ، وبه يقضي الحوائج بعضهم من بعض ، وبه قوام معاشهم ومعادهم ، وبه بعث الرسل والكتب جميعا ، فإذا كان كذلك فالواجب ألا يستعمل إلا في الخير والحكمة ، ولا ينطق به إلا ما هو أحسن وأصوب ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ).
أي : يفسد بينهم ويوسوس إليهم ويغري بعضهم على بعض ؛ ليفسد بينهم ، وذلك كقوله : (إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً).
أي : كان الشيطان منذ كان للإنسان عدوّا ظاهرا عداوته بيّنا. جعل الله ـ تعالى ـ
__________________
(١) في ب : التي.
(٢) سقط في ب.