لأنهم نظروا إليه بعين الاستخفاف والاستهزاء فزادهم ما ذكر ، وأما أهل الإسلام فزاد لهم إيمانا وهدى ؛ لأنهم نظروا إليه بعين التعظيم والتبجيل.
قوله تعالى : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً (٦١) قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً (٦٢) قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً (٦٣) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً (٦٤) إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً)(٦٥)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً).
قوله : (أَأَسْجُدُ) ، أي : لا أسجد ؛ كقوله : (لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ) [الحجر : ٣٣] ؛ فدلّ هذا أن قوله : (أَأَسْجُدُ) معناه ، أي : لا أسجد. ذكر في قصة إبليس ألفاظا مختلفة :
مرة قال : (يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) [الحجر : ٣٢] ، وقال في موضع [آخر](١) : (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ) [ص : ٧٥] ، وفي موضع آخر : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) [ص : ٧٥] ، ونحوه ؛ فجائز أن يكون ذكر هذا على اختلاف الأحوال لا في حال واحدة.
هذا على ما ذكر فى (٢) قصّة آدم من اختلاف الأحوال حيث قال مرة : (مِنْ تُرابٍ) ، وقال مرة : (مِنْ طِينٍ) [المؤمنون :] ، ومرة : (مِنْ صَلْصالٍ) [الحجر : ٣٣] ، ونحوه ، وذلك إخبار عن أحوال تغيرت فيها.
وجائز أن يكون ذلك بغير هذا اللسان ؛ فذكر هاهنا بألفاظ مختلفة ؛ والزيادة والنقصان ؛ لأن اختلاف الألفاظ لا يغير المعنى.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَ).
قد أقر إبليس ـ لعنه الله ـ بالفضيلة لآدم والإكرام له إما من جهة الطاعة له والنبوة التي أعطاها الله [له] ، وإن ادعى لنفسه الفضيلة عليه من جهة الخلقة ؛ بأنه ناري وهو طيني ، حيث قال : (قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَ) : أقر بالفضل له عليه ، والإكرام : إما لطاعتهم له ، أو لما جعله رسولا إلى خلقه.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في ب : من.