في مقام التذكر إلى أهمية الصلاة وفي مقام التعليل لما دلت عليه الآية السابقة ان الصلاة لا تسقط بحال من الأحوال في الحرب والسفر والخوف فهذا التعليل لا يلائم ولا يناسب بأصل تشريع الصلوات وتشريع وجوبها ولا بضربها على أوقاتها المعنية ولا لما رواه الجصاص عن ابن مسعود أن الصلاة فرض موقت كالحج مع قطع النظر عن فساد أصل الدعوى وما استظهرناه من بيان مولانا الصادق (ع) أكثر سدادا وأحسن وللبيضاوي بيان آخر في بيان تعليل المذكور قال (مَوْقُوتاً) فرضا محدودا لأوقات لا يجوز إخراجها عن أوقاتها في شيء من الأحوال وهذا دليل على ان المراد بالذكر الصلاة وانها واجبة الأداء حال المسابقة والاضطراب في المعركة وتعليل للأمر بالإتيان بها كيفما أمكن انتهى. ولا يخفى مناقضية صدر كلامه مع ذيله وما ذكره في الذيل لعل هو المراد وقد اعترف به اضطرارا.
فتحصل من جميع ما ذكرنا ان الآية الكريمة في مقام التذكر إلى أهمية الصلاة وعظم موقعها وشرف محلها وخاصة على المؤمنين فإنهم أولى وأحق بهذا التذكر وفيها إشعار ان المؤمنين هم الذين يحافظون عليها والخاشعون فيها ففي النهج قال (ع) تعاهدوا أمر الصلاة وحافظوا عليها واستكثروا منها وتقربوا بها فإنها (كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) الى ان قال وشبهها رسول الله بالحمة تكون على باب الرجل فهو يغسل منها كل يوم خمس مرات فما عسى أن يبقى عليه من الدرن. الخطبة قال في كنز العرفان وفي الآية أحكام الى أن قال ان الآية تدل على أن الصلاة على من يعقل ولا فرض على من لا يعقل إذ الإيمان هو التصديق فالمؤمنون هم المصدقون فالتصديق لا يصدر الا عن تصور وجزم وإذعان وذلك غير متصور إلا في من له تعقل فلا يجب على الصبي والمجنون والمغمى عليه. وفيه ان المؤمنين ليسوا في الآية موضوعا للوجوب الشرعي للصلاة بل في مقام النصح والتذكر مع الاشعار بترفع شأنهم. ثم ان ما ذكره من الدليل أعم من المدعى فيشمل المستضعفين والبلهاء فإنهم لا يقدرون على تنظيم برهان وقياس وتأليف مقدمات يوجب حصول اليقين والجزم لهم وقال أيضا ما ملخصه ان إيجاب الصلاة على المؤمنين لا يدل على أن الكفار ليسوا مكلفين بالفروع فلا ينافي الآية بثبوت الأحكام على الكفار أيضا بحسب الأدلة الأخرى. قلت نعم لا ينافي بين ثبوت الأحكام على المؤمنين وعلى الكافرين أيضا طبق الأدلة الواردة في كل من الموردين لعدم التنافي بين مثبت ومثبت آخر وانما التنافي بين المثبت والنافي إلا انا قد قدمنا البحث في ذلك وانه لا دليل على شمول الأدلة للكافرين خطابا وانما يشملهم عقابا هذا أولا ، وثانيا ان الآية ليست في مقام تشريع الصلاة على المؤمنين وليس للمؤمنين موضوعا لوجوب الصلاة كما شرحناه مفصلا وهذا الفرع كسابقه ساقط أصلا.
الآية الثانية
قال تعالى (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ)