الآية الكريمة تفيد تسليته (ص) وتسلية أهله تتبعه أيضا ثم لا يخفى ان هذا الوعد والتكفل بأمر رزقه انما هو بحسب سنته المقدسة العادية لا على نحو الاعجاز والكرامة فلا وجه لتوهم الاعجاز والكرامة في المقام ولا وجه لتوهم المعارضة بين الآية وما في سياقها من الأدلة وبين العمومات الدالة على وجوب التكسب والطلب فما ادعى رسول الله (ص) ولا أحد من أئمة أهل بيته الارتزاق على نحو الاعجاز والكرامة فيسقط ما استشكله بعضهم من اعمال المعارضة بين هذه الآية وأشباهها وبين ما يدل على وجوب الطلب وتخلص بعضهم عن هذا الاشكال ان هذا من خصائصه (ص) ولا يجب للإنسان التأسي به في هذا والوجه ما ذكرناه من عدم دلالة الآية وعدم سوقها لذلك والآيات التي توهم منافاتها لوجوب الطلب كلها من هذا القبيل وليس فيها ما يدل ان الرزق على نحو الكرامة وإلغاء التكسب والطلب مثل قوله تعالى (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ). (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) الى آخر الآيات التي استدل بها على ذلك فتحصل ان الآية الكريمة وما في سياقها كلها واردة بالوعد والتكفل على مجاري العادة والطبيعة وان أمر اهله بالصلاة والقيام بها والاصطبار عليها ما أريد بها الاعراض عن الطلب والاعتماد بوعده تعالى من غير طلب كي يتنافى وتعارض بالعمومات الدالة على الطلب ولا احتاج الى القول ان هذا من خصائصه أولا يجب التناسي به في ذلك.
(الآية الرابعة)
قال تعالى (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ) (المؤمنون آية ٢) الفلاح الفوز والظفر بالأماني والآمال قوله تعالى (الْمُؤْمِنُونَ) الإيمان هو الإذعان والتسليم في مقابل ما عرف وعلم بالله عزوجل وتوحيده ونعوته وكتبه ورسله وهو أمر بسيط وحداني والأعمال الخارجية الأهم فالأهم شرط لصحتها وقبولها وتمامها وقيل ان الايمان كله عمل والإذعان الذي هو أصل الايمان وأساسه من جملة ذلك العمل أيضا وهو أمر مؤتلف ومركب من الأعمال منبسط ومنبث على القلب والجوارح ولكل واحد منها وظيفة تخص بها غاية الأمر ان عدة مهمة من تلك الأعمال بمنزلة الأركان للإيمان والباقية شرط لكماله وتمامه وهذا الوجه الثاني هو الأنسب والأقرب بالكتاب والسنة ، إذا تقرر ذلك فالنعوت المذكورة للمؤمنين في هذه الآيات الكريمة هل هي من المعرفات الحقيقية بناء على شرطية الأعمال أو على جزئيتها بحيث يتوقف ثبوت الايمان وتحققه على تلك النعوت.
واعتمد في بقية الشروط والاجزاء على الأدلة المنفصلة من الآيات والروايات