وقد توهم بعض المفسرين أن المراد من الغض هو الغمض اي اطباق الأجفان قال وفيما ذكر من غض البصر مطلقا تأمل أو المستحب النظر الى موضع السجود حال القيام انتهى. أقول لا ريب في استحباب الغض مطلقا في حال الصلاة ولا ينافي النظر أيضا كما هو مقتضى بعض الإطلاقات.
نعم ربما يتوهم المنافاة بين رواية حماد عن الصادق (ع) المصرحة بغمض العين وبين رواية زرارة في الوسائل عن الكافي عن زرارة عن أبي جعفر في باب كيفية الصلاة الى ان قال وليكن نظرك الى ما بين قدميك الحديث وقد حمل الشيخ الغمض على الغض وفي القاموس انغماض الطرف انغضاضه وحمل الأردبيلي الروايتين على الاستحباب التخييري.
أقول فبناء على ما ذكره القاموس ان المراد من الغمض هو الغض يرتفع المنافاة بين رواية حماد الآمرة بالغمض والمطلقات المصرحة بالنظر ويصح ما ذكره الشيخ (قده) ان المراد من الغمض هو الغض ويؤيده أيضا فتوى الأعلام في ما رأيناه من كلماتهم بما يستفاد من رواية زرارة من عدم الغمض والله العالم.
(الآية الأولى)
قال تعالى (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً).
قوله تعالى (أَقِمِ الصَّلاةَ) ـ الى آخره ـ إقامة الصلاة لأدائها على صورتها التي وردت لها بل أدائها مع التحفظ لحدودها وشروطها وأركانها والتجنب عن تضييعها والاستخفاف بشأنها وأمرها للفرق الواضح بين قولهم انك أقمت الصلاة ويقيمون الصلاة وبين قولهم صليت ويصلون وقد استعمل التعبير الأول في مقام التكريم والمدح مثل قوله تعالى (لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ.) الآية (البقرة ٣). قال الشيخ عبده في المنار في تفسير المقام فاذا اختلت صورة الصلاة عن هذا المعنى لم يصدق على انه اقام الصلاة فإنه قد هدمها باخلائها عن عمادها وقتلها بسلبها روحها انتهى.
في الوسائل عن السرائر مسندا عن بريد العجلي قال قلت لأبي جعفر أيهما أفضل في الصلاة كثرة القرآن أو طول اللبث في الركوع والسجود في الصلاة فقال كثرة اللبث في الركوع والسجود في الصلاة أفضل أما تسمع لقول الله عزوجل (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) إنما عنى بإقامة الصلاة طول اللبث في الركوع والسجود الحديث.