سننه وقوله تعالى (وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ) أقول قد اضطربت كلمات المفسرين في تفسير المقام فان قوله تعالى لا تنفع متعد بنفسه ولا يصح تعليق اللام في قوله. لمن اذن له به وأحسن ما قيل في تأويله ما ذكره في جوامع (ص ٢٨٢) قال لا ينفع الشفاعة إلا كائنة لمن اذن له انتهى. أقول أي لمن اذن الله سبحانه ان يشفع شافعون في حقه فالحصر متوجه الى المشفوع له والاستثناء من النفي المطلق صريح في إثبات نفع الشفاعة لمن اذن تعالى أن يشفع الشافعون له فقط.
(الآية السادسة)
قال تعالى (وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (زخرف ٨) بيان الالهة التي تعبد وتعظم من دون الله على قسمين الأول ما لا يعقل ولا يشعر ان الكفار يعبدونها من دون الله.
الثاني من يعقل ويدرك ان الكفار يعبدونهم من دون الله ويرضى بذلك مثل بعض الفراعنة والجبابرة يدعون الناس الى عبادتهم قال تعالى حكاية عن فرعون (لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ).
فلا ريب أن العابد والمعبود كلاهما في النار قال الله تعالى (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ) (الأنبياء ٩٨) ومنهم من يشعر بذلك ولا يرضى به ويتبرء منهم ومن عبادتهم وينكر ذلك عليهم أشد الإنكار ولا تنتقص بذلك منزلتهم عند الله مثل عيسى بن مريم وغيره من المقربين فإنهم ينهون الكفار وأهل الغلو فيهم عن عبادتهم كما ينهونهم عن عبادة الأصنام.
قال الله تعالى (وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ. ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (المائدة ١١٧) فهذه الآيات الكريمة تنزيه لساحة عيسى الصديق عما الحد فيه النصارى وشهادة منه سبحانه على قرب منزلته عند الله وقوله تعالى (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) الآية فالظاهر ان المراد بالشهادة في هذه الآية ونظائرها في القرآن هو العلم عن عيان وإحاطة فهؤلاء الأعاظم المقربون يسمون شهيدا باعتبار مقام التحمل وبلحاظ احاطتهم وعيانهم مورد الشهادة أي اعمال العباد ويسمون شهيدا وشاهدا باعتبار