فان من أنواع العطاء الشفاعة وهي مقيدة بمشيئة الله سبحانه في الشافعين والمشفوعين كما أوردنا الآيات الراجعة الى ذلك وانه لا يقدر أحد ان يشفع لأحد إلا بإذن الله ومشيئته ولا ينتفع أحد من شفاعة أحد الا من ارتضاه ويأذن سبحانه له بخصوصه.
قال تعالى (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) (البقرة / ٢٥٦) قال تعالى (قالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) الى قوله (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) (الأنبياء ٢٩).
وغيرها من الآيات فهذه الآيات ونظائرها دالة وشاهدة على أن الشفاعة من المقربين انما هو بعد اذن الله وكذلك انتفاع المشفوعين من الشفاعة متوقف على اذن الله سبحانه ورضاه ـ قلت ليس في هذه الآيات ما ينافي الآية المبحوثة عنها فان الآيات انما تدل على توقف تأثير الشفاعة على اذن الله ومشيئته سبحانه وكذلك انتفاع المشفوعين تحفظا على التوحيد وانه لا مالك الا هو والتصرف في ما يملكه تعالى ليس الا بيده ولا يعقل إلا باذنه وامره والآية المبحوثة عنها تدل دلالة واضحة على حصول الاذن وقد شاء الله ذلك وقضى به بحسب وعده الجميل وسينجز ذلك لرسوله فإنه سبحانه صادق الوعد ووافي القول فتحصل في المقام ان الآية وان لم تكن ناصة بالشفاعة بخصوصها الا انها دالة عليها بحسب إطلاقها والرواية المنقولة عن الصادق عليهالسلام الظاهر انها لبيان مصداق بارز من العطاء لا انها للتقييد ولبيان تمام المراد من الآية نعم ما ذكرناه عن محمد بن الحنفية نص في التخصيص والتقييد الا انه لا ينبغي تقيد مطلقات القرآن الكريم بها ونظائرها هذا تمام الكلام في تفسير الآيات الدالة على الشفاعة وفيها غنى وكفاية عن استقصاء جميع الآيات الدالة على الشفاعة وتفسيرها وتحليلها فقد ظهر بفضل الله سبحانه وتأييده غاية الظهور انه لا ريب في دلالتها وصراحتها في إفادة معنى الشفاعة ومضيها عند الله سبحانه وبقي في المقام أمور لا بد من التذكر بها والإرشاد إليها.
الأمر الأول : المستفاد من هذه الآيات عموم الشفاعة وشمولها في جميع الموارد وعدم اختصاصها بموطن دون آخر فمنها ما يدل على وقوع الشفاعة في الدنيا قال تعالى (قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا) الى قوله (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (يوسف ٩٨) قال تعالى (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً).
ومنها ما يدل باختلافها على شمولها لجميع المواقف قال تعالى (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ (وَيُؤْمِنُونَ بِهِ) وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ