الله يقول (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) ومفارقتي إياكم خير لكم فقالوا يا رسول الله (ص) مقامك بين أظهرنا خير لنا فكيف تكون مفارقتك خيرا لنا أما مفارقتي إياكم خير لكم فإن أعمالكم تعرض علي كل خمسين واثنين فما كانت من حسنة حمدت الله عليها وما كان من سيئة استغفرت الله لكم. وقريب منها نظائرها في تفسير الآية
الأمر الثالث : مقتضى إطلاق بعض هذه الآيات وصريح بعضها في الجملة انه لا تنحصر مورد الشفاعة ومتعلقها بغفران الذنوب فقط بل الأعم منها ومن نيل الطلبات وكشف الكربات ورفع الدرجات وقضاء الحاجات وكذلك الروايات الدالة على قبول الشفاعة ومضيها سيما الأدعية المأثورة عن أئمة أهل البيت (ع) وهكذا في جواز الاستشفاع.
الأمر الرابع : الآيات الدالة على جواز الشفاعة وكذلك الروايات في هذا الباب لا دلالة فيها على أزيد من قبول الشفاعة ومضيها في غير المذنبين من أهل التوحيد فلا يتجاوز عنهم بمن سواهم ولا يخفى ان هذه الأدلة لا تنافي عن ورود التقييد والتخصيص عليها فعلى عهدة الفقيه التحري والتحقيق واستقصاء الفحص عن المخصصات والمقيدات.
الأمر الخامس : ـ يمكن ان يستشكل في الشفاعة بوجوه :
الأول : ان استيهاب جرم المجرمين والشفاعة في حقهم وفي إسقاط العقاب عنهم ينافي الحكم التشريعي ويضاد مصلحة التشريع.
قلت كلا فان هذه الشبهة بناء على قول من ذهب أن صدور الأفعال منه تعالى على نحو الإيجاب عليه سبحانه عند الشفاعة التي هي بمنزلة المرجح لطرف العفو وفي مرتبة يكون العفو واجبا عليه سبحانه واما إذا قلنا بعدم الإيجاب وهو الحق المبين الذي لا ريب فيه انه سبحانه مالك للعفو والأخذ من دون إيجاب أحد من الطرفين فاذا قام الشفعاء فشفعوا للمذنبين فالشفاعة التي هي مرجحة لطرف العفو فقدرته ومالكيته تعالى لا تنفعل عن الشفاعة ولا توجب الشفاعة تحديد مالكيته وقدرته فهو سبحانه مالك للعفو والعقاب في مرتبة الشفاعة أيضا وقد كان مالكا للعفو من غير شفاعة ولما كانت الشفاعة مرجحة في طول المالكية لا في عرضه فالمالكية حاكمة على الشفاعة دون العكس فلو عفى سبحانه عند الشفاعة فالعفو معلول للمالكية والقدرة وليس معلولا للشفاعة ويستحيل صدور العفو عن الشفاعة مع فرض المالكية للعفو والعقاب فتحصل ان العفو بفضله ورحمته وإكرام أوليائه وتشريف أوليائه في قبول شفاعتهم مستندا الى مالكيته وحريته في أفعاله من غير إلزام ولا إيجاب فالحكم التشريعي أوجب بعد عصيانه استحقاق العاصي للعقاب من غير إلزام العقاب عليه والعفو عن العاصي في هذه المرتبة أيضا والشفاعة في