في الوسائل مسندا عن أبي إبراهيم عن أبي عبد الله (ع) في حديث قال ان الله بعث جبرائيل إلى آدم (ع) فانطلق به الى مكان البيت فانزل الله إليه غمامة ما أظلت مكان البيت فقال يا آدم خط برجلك حيث أظلت هذه الغمامة فإنه يستخرج لك بيت من مهاة يكون قبلتك وقبلة عقبك من بعدك. ورواه عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله (ع) الى ان قال : خط برجلك حيث أظلت هذه الغمامة فإنه قبلة لك ولآخر عقبك من ولدك.
(الآية الثانية)
ومن قوله تعالى (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها) البقرة ـ ١٤٤ الآية الكعبة التي هي أقدم بيوت التوحيد هل صلى اليه الرسول (ص) قبل بيت المقدس أم لا؟ لم يتعرض أحد من المفسرين له الا في تفسير هذه الآية فقال بعضهم أن المراد من القبلة المجعولة هي الكعبة التي كانت قبلة له (ص) قبل بيت المقدس ولم يفصلوا أزيد من ذلك. فخلاصة القول في المقام ان أخبار الباب على طوائف.
الاولى : انه صلى الى بيت المقدس من بدو رسالته.
الثانية : انه جعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس ولم يستدبرها ولما هاجر الى المدينة استدبر الكعبة واستقبل بيت المقدس.
الثالثة : انه ما صلى الى بيت المقدس إلا في المدينة تأليفا لليهود.
الرابعة : انه صلى الى بيت المقدس مدة مقامه بمكة أي قبل رسالته أيضا فإنه (ص) كان نبيا ولم يكن رسولا وذلك بناء على ما هو التحقيق ان الرسول من أرسل إليه ملك الوحي فيكلمه قبلا ومشافهة بما جاء به من عند الله من الشرائع والأحكام وما عدا ذلك من أنحاء التكلم ـ الإلهي في الشريعة والدين فجمعها من أنحاء النبوة.
وما قيل من الفرق بين الرسول والنبي ان الأول من أوحى اليه وأمر بالتبليغ والثاني من أوحى الله ولم يؤمر بالتبليغ فلا محصل له ضرورة أن البلاغ وعدمه أجنبي عن مفهوم الرسول والنبي لغة وأجنبي أيضا عن نفس الحقيقة والعلم المفاض من الله سبحانه على الإنسان الرسول والنبي وقد أوضحنا ذلك في تفسير قوله تعالى (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) البقرة.
إذا عرفت ذلك فاعلم. ان الظاهر من الآية أن القبلة المجعولة في المقام هي بيت المقدس لا الكعبة كما أصر عليه الرازي واستدل عليه بأن الفتنة والامتحان والاعتراضات الشديدة إنما وقعت في المدينة في نسخ بيت المقدس وجعل الكعبة قبلة ثانية حتى ارتد أناس ممن آمن ويشهد على ما ذكرناه أمور.