السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) ولن تجد موردا استعمل فيه الرحيم الا مقارنا بغفور وودود وتواب على كثرتها إلا في مورد واحد وهذه الحقيقة القرآنية ليست امرا منكرا حتى يطرح أو يؤول هذا أولا وعرض الاخبار على القرآن كما هو مفاد عدة من الروايات في الاخبار العلاجية في المتعارضين وكذلك في غيرها أجنبي عن هذا الذي ذكره من تعيين المفاهيم الإفرادية واللغوية فإن ذلك يرجع الى النزاع اللغوي في تعيين مفاد اللفظ وتشخيص معنى الأفرادي في الكلام دون المعنى التركيبي. فتوهم ان عرض الاخبار على الكتاب في تشخيص المعاني اللغوية والمعاني الإفرادية بحسب اللغة كما ترى هذا ، ثانيا بل مورد عرض الاخبار على الكتاب فيما تكون المخالفة بينهما بالتباين الكلي في مفادهما هذا ، ثالثا ومع قطع النظر عن جميع ما ذكرنا يكون مفاد الأخبار الدالة على ان معنى الرحيم بعباده المؤمنين خاصة أخص بالنسبة إلى القول بعموم متعلقة ومخالفة العام مع الخاص لا يعد مخالفة هذا ، رابعا واما الذين قالوا بالاشتراك المعنوي في أمثال المقام فمنهم من صحح أيضا ان الرحمن اسم للرحمة العامة والرحيم اسم للرحمة الخاصة فتلخص ان الآية المبحوثة عنها من الموارد التي استعمل فيها الرحيم في الرحمة الخاصة وفي مورد شمول رحمته تعالى عليهم.
(الآية الثالثة)
قال تعالى (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) البقرة (١٤٤).
قوله تعالى (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها). الآية.
الظاهر ان تقلب وجهه في السماء كان التماسا وابتهالا وطلبا من الله سبحانه ان يصرفه عن قبلة اليهود كي يستريح عن تعييرهم وإلقاء الوسوسة والتشكيك عنى العوام بان محمد (ص) أخذ بقبلتنا وتنسك بنسكنا ولولانا وقبلتنا ما يدري ان يصلي وما رضي (ص) ان تفتتن أمته بعده بأهل الكتاب في مشاركة القبلة وقد أخبر تعالى أن رسوله وحبيبه يقلب وجهه الى السماء ويتضرع الى الله سبحانه في إنجاح مأموله وفي هذا التعبير من الاستعطاف والإكرام والتحبب والتودد ما لا يخفى.
قوله تعالى (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها). التولية : كما ذكرنا سابقا إذا استعمل مع من نفيد صرف الوجه عن الشيء والاعراض عنه وإذا استعملت بدونه تفيد معنى التوجه إلى الشيء والتمكن منه. فهذا وعد منه سبحانه ان يستجيب دعائه ويتحقق أمله وان يكرمه بإعطائه ما يرضاه. فان قيل ان المستفاد من قوله تعالى (تَرْضاها) : ان الرسول ما كان راضيا بقبلة بيت المقدس التي جعلها له قبلة كارها لها ورضيا