وما ورد انهما المسجد الحرام أو الحرم ولعل سر هذا التعبير في الآية الكريمة وفي هذه الروايات هي التوسعة من حيث الاستقبال فعين الكعبة هي القبلة مطلقا الا ان التوسعة في استقبالها وإحرازها وإحراز الجهة التي هي فيها تسهيلا للأمر على العامة والطرق التي وردت في الروايات ليست على الدقة العلمية لإحراز العين بل جميعها لإحراز الجهة التي هي فيها فلا مناص من القول ان التوجه نحو المسجد الحرام بلحاظ الطريقة إلى الكعبة لا من أجل استقلالها من كونها قبلة فلا بد من تأويل كلام القائلين ان الجهة قبلة البعيد بما ذكرنا من البيان ولو كان آبيا عن التأويل فالأولى الإعراض عنه وتخصيص الخطاب بالرسول (ص) إيذانا بإكرامه في إجابته دعائه وإنجاح أمله وان الأمر انتهى الى رضائه (ص) برضائه تعالى وفي هذا غاية التشريف والتكريم ثم عمم الحكم لجميع المسلمين وقال تعالى وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره بالتعبير بحيثما تصريح للاستغراق وعموم الحكم لجميع الناس في كل زمان ومكان في البراري والجبال والبحار والاسفار والحضار على الرواحل والسفن وغيرها فلا ينبغي التوهم أن الآية نزلت في المدينة وهو (ص) والمسلمون في صلواتهم وحولوا نحو الكعبة ، انها مختصة بالمدينة ومصلين فيها.
(الآية الرابعة)
قال تعالى (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) (البقرة ١٤٥) الآيات.
قد عاد الكلام منه تعالى بعد تشريع القبلة ونسخ قبلة بيت المقدس لتقريع المخاصمين وتوبيخهم ومفاد الآيات ولحنها تحكي وتشهد ان اللجاج والخصام والعصبية قد بلغ غايته وعمل عمله النكير فمست الحاجة الى التعرض لشأنهم والاحتجاج عليهم وبيان إصرارهم على دفع الحق بالباطل وجحودهم الحق مع عرفانهم وايقانهم به واحتاج في المقام الى تثبيت المؤمنين وتأييد قلوبهم فقال تعالى (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (١٥٠) قد اضطرت كلمات المفسرين في تفسير هاتين الآيتين ووجه إعادتهما بعد تشريع الحكم ونسخ قبلة بيت المقدس وذكروا فيه وجوها وأقوالا وأطالوا