الإسلام كثير. قال في المنار نقلا عن شيخه ولا ينافي ذلك ما عساه يطرأ على العبادة أو يوجد في المساجد من الأشياء المبتدعة التي لم يأمر بها الكتاب فمن علم الأرض لما في ذلك من الفساد الذي أشرنا اليه. وهذا هو السر في حكم الشريعة بهذه البدع فعليه أن ينكرها ويسعى في إزالتها ولا يجوز له السعي في إزالة المعابد من الإسلامية باحترام كنائس أهل الكتاب وبيعهم وصوامعهم. انتهى محل الحاجة
(أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ).
الظاهر ان الآية تهديد لهؤلاء الجبابرة والمفسدين في الأرض لا في مقام المنع التشريعي إياهم وأمرهم بدخول المساجد خاضعين خائفين فالله سبحانه يخوفهم ان يصيبهم مثل ما أصاب الظالمين من قبلهم وتحل بساحتهم ما حل بساحة المتكبرين من أمثالهم (لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) فإن الظلم له تبعات ونكبات وضعية في حياة الناس وعمران الأرض سينتقم الله منهم بسلب مواهبه المعنوية والروحية كما هو المشاهد المحسوس.
المقام الثالث قد استدلوا بهذه الآية على عدة من الفروع الفقهية : منها وجوب اتخاذ المساجد ووجوب عمارة ما استهدم منها ووجوب شغلها بالذكر وتحريم تخريبها واستحباب اتخاذها على الأعيان واستحباب دخولها بالخشوع والخضوع وفيه ان شيئا مما ذكر لا يستفاد من الآية وتحريم التخريب عقلي ليس شرعي وخاصة بالمعنى الذي ذكرناه قال المحقق الأردبيلي (في زبدة البيان ص ٧٨) قبل في الآية أحكام ما عرفناها بل لم يظهر كون بعضها حكما.
(الآية السادسة)
قال تعالى (إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) ـ التوبة (١٩).
تعريض للمشركين الذين كانوا يفتخرون بسقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام مع إقامتهم على كفرهم وشركهم معترفين بالشرك شاهدين على أنفسهم به انه كيف يصح ذلك وكيف يستقيم لهم أن يعمروا مساجد الله وهم لا يقرون بالله الواحد الأحد فأعمالهم من الحسنات الاجتماعي والعبادي كلها حابطة باطلة وانما يتمشى تعمير المساجد وتعظيم المشاعر ممن آمن بالله واليوم الآخر ـ الى آخره.
قوله تعالى (إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ). الآية. تعمير المساجد عام شامل وصادق بترميم ما انهدم منها وكنسها وتنظيفها والإسراج فيها وفرشها واشغالها بذكر الله وتطيرها من البدغ والأباطيل والوفود إليها للعبادة ولا مانع من عمومها لإعادة بنائها أيضا ولم يذكر المفسرون بنائها أو تجديد بنائها كأنهم زعموا ان بناء المساجد غير تعمير المساجد وخارج عن عنوان عمارة المساجد ولا يخفى ضعف هذا التوهم فان العمران صادق