بحسب إطلاق الأمر ظاهر في الوجوب ولا شيء من القيام بواجب إلا في الصلاة فإثبات الكبرى بحسب دلالة الآية وتعيين الصغرى بحسب الاستقراء وأيضا قوله تعالى (قُومُوا) عطف على حافظوا الدالة على وجوب المحافظة والمراقبة فيكون القيام أيضا واجبا وأيضا القيام مقرون بالقنوت والقنوت في عرف الفقهاء رفع اليدين بالدعاء حال القيام فتعين ان القيام الواجب بحسب الأمر هو القيام في الصلاة.
أقول قدمنا جملة كافية في تفسير الآية وخلاصة القول فيها ان المراد من القيام هو التصدي والإتيان بالعمل لا الانتصاب والقيام المقابل للعقود كي يكون شرطا أو واجبا في الصلاة هذا أولا ، ثم ان الآية الآمرة بوجوب المحافظة للصلاة ليست في مقام تشريع الصلاة واجزائها وشرائطها وانما تأمر بالتحفظ للصلوات المكتوبات المقررة المرسومة بحسب أدلتها وبديهي أن هذا الأمر أمر إرشادي في مرحلة الطاعة والانبعاث عن البعث القطعي والأمر الإرشادي لا يفيد حكما تعبديا مولويا فيسقط جميع الوجوه الذي ذكروها لانبعاث وجوب القيام.
وأما الاستدلال من ناحية القنوت بوجوب القيام ففيه ان قوله تعالى (قانِتِينَ) نعت للمصلين ومعنى القنوت الرغبة والخشوع وإقبال الرجل على صلواته لا القنوت الاصطلاحي فعلى عهدة المصلي تحصيل القنوت في جميع حالات صلواته مكبرا قارئاً قانتا راكعا ساجدا متشهدا قائماً جالسا داعيا ذاكرا مسلما مسبحا فلا دلالة في هذا القنوت على وجوب القيام ومما ذكرنا يعلم انه لا اشعار فيها بجزئية القنوت المصطلح في الصلاة لا وجوبا ولا ندبا بل اللازم تحصيل القنوت بالمعنى الذي ذكرنا في القنوت المصطلح أيضا كما لا يخفى قال تعالى (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ.) الآية (زمر ٩).
وأما الفرع الثالث وهو وجوب النية استنادا الى قوله تعالى لله ففيه ان الآية الكريمة مسوقة على الحث بالقيام لله في باب الصلوات المفروضة المشروعة المفروعة عن جميع اجزائها وشرائطها فتكون تذكرة للمراقبة التامة للإخلاص والاحترام الأكيد بجلاله تعالى وشأنه سبحانه وليس فيها لشأن النية إشارة وأشعار أصلا.
فمحصل مفاد الآية ان القيام لله في الصلوات لا بد فيها أن يكون المصلون قانتين.
(الآية الثانية)
قال تعالى (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً.) (الاسراء).
بيان قد أمر الله سبحانه رسوله وصفية (ص) بحمده تعالى ومعنى حمده تعالى كما أسلفناه مستوفى ومستقصى