وينتهيان معا والله العالم.
(الآية الثالثة)
قال تعالى (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ) (المؤمنون ٢) بيان : إضافته تعالى الصلاة الى المؤمنين لبيان اختصاصهم بها وقيامهم بحقها واصطبارهم عليها حين غفل عنها المترفون وأعرض عنها المستكبرون ـ قوله تعالى (خاشِعُونَ) قد ذكروا في تفسيرها وجوها وأقوالا أعرضنا عن إيرادها للاختصار فالخشوع في الصلاة قلبا وقالبا وروحا وبدنا قد وردت في روايات كثيرة عن أئمة أهل البيت عليهمالسلام وتكلم فيها فقهائهم قدس الله أسرارهم والآية مطلقة شاملة بإطلاقها جميع الموارد التي يصدق عليها الخشوع فالخشوع يتصف به القلب وبه الصوت والصبر والنظر فان لكل من ذلك الذي ذكرنا خشوعا يناسبه قال في الصوت والبصر التذلل والسكون انتهى أما الخشوع في القلب قال تعالى (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ) (الحديد).
فأدنى الخشوع إحساس الحاجة والافتقار الى الله والشعور والاستشعار بعظمته بحيث يجتمع فيه الرغبة والريبة والخوف والطمع والسكينة والاستكانة ففي زبدة البيان قال وروي ان النبي رأى رجلا يعبث بلحيته في صلاته فقال اما انه لو خشع قلبه لخشعت جوارحه.
أقول وفي هذا دلالة على إثبات الخشوع في الجوارح فلا وجه لترديد بعض المفسرين في إثبات الخشوع لها.
وأما الخشوع في الصوت قال تعالى (وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً) (طه ـ ١٠٧) فالخشوع فيه غضته في مقابل الإجهار به والخشونة به كما تضمنه الآيات في أدب المكالمة مع رسول الله قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى) (الحجرات).
ويتصف به البصر قال تعالى (خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) (القلم ـ ٤٣) المعارج ٤٤ (قال تعالى (خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ) ـ القمر ـ ٧) فالخشوع في البصر غضه في مقابل رفعه روي في كنز العرفان مرسلا كان رسول الله يصلي رافعا نظره الى السماء فلما نزلت التزم ببصره الى موضع سجوده في الوسائل عن الكافي مسندا عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال ـ الى ان قال ـ واخشع ببصرك ولا ترفعه الى السماء وليكن حذاء وجهك موضع سجودك.
وقد توهم بعض المفسرين ان المراد من الغض اطباق الأجفان قال وفي ما ذكر من غض البصر مطلقا تأمل إذ المستحب النظر الى موضع السجدة حال القيام انتهى.
أقول قد عرفت ان النظر الى موضع السجود انما هو بغض البصر أي عدم رفعه فلا منافات نعم قد يتوهم المنافاة بين ما ذكرنا من الأدلة المطلقة وهي ما ذكر في