رواية حماد بن عيسى المصرحة بغمض العين في الركوع وخاصة مع رواية زرارة المصرحة بالنظر بين القدمين حال الركوع وقد اضطرب كلماتهم في الجمع بينها والجواب عن الاشكال الوارد عليها أقول منشأ الاشكال انما هو بناء على ان الغمض هو إطباق الأجفان بالكلية وليس كذلك بل قال في القاموس انغماض الطرف انغضاضه انتهى. ومن أراد الاطلاع على أزيد من ذلك فعليه بالمطولات فتحصل ان قوله تعالى (فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ) شامل بإطلاقه جميع ما ذكرنا من إفراد الخشوع والله الهادي.
(الآية الرابعة)
قال تعالى (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) النحل ـ (٩٨) أمر تعالى رسوله وحبيبه بالاستعاذة بالله سبحانه وبالاستغاثة به تعالى عند قراءة القرآن وقد أمره تعالى بالاستعاذة به تعالى في غير مورد القراءة أيضا. قال تعالى (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ) (المؤمنون ١٠٠) (وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ) (١٠١).
تنقيح البحث في المقام في ضمن مسائل :
الأولى : أمر الله سبحانه حبيبه وصفية بالاستعاذة عند قراءة القرآن في هذه الآية وفي غيرها بالاستعاذة به تعالى من همزات الشياطين ومن حضورهم وهجومهم وتلبسهم والحال انه (ص) معتصم بعصمة الله المنيعة ومتحصن في حصن ولايته جل سبحانه ومصون في حرز امانة وليس هذه الاستعاذة والإلجاء به والسؤال والتضرع اليه الا لأجل ادامة العصمة وبقاء الأمان مثل قوله تعالى (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) (الفاتحة ٦) وأمثالها من الآيات فان الناس كلهم واقفون موقف الافتقار والحاجة الى جوده وإحسانه لا بد ان يلتمس منه تعالى إبقاء ما أفاض وادامة ما وهب وطلب المزيد منه تعالى الى ما لا يعلمه الا الله.
الثانية : قد قيل أن الأمر بالاستعاذة لشخصه (ص) ويلزم على غيره بالتأسي له أقول هذا ليس بشيء فإن آداب العبودية وعرض الافتقار اليه تعالى والتشبث بأذيال عطفه وامانه وحفاظته ليس من الأحكام التعبدية بل هو وظيفة علمية وعقلية مطلقة لكل موحد يدرك ويشعر شأن موقفه مع الله وبين يدي الله وخاصة في مقام تلاوة القرآن فإنه المناجاة مع الله والوقوف بين يديه لاستماع مواعظه والالتذاذ بخطاباته والائتمار بمنشور ولايته جل ثناؤه وأوامره ونواهيه فالموقف من أجل مواقف الحضور والقرب منه تعالى ولا بد فيه من التحفظ الشديد والتوسل الصادق والالتجاء بالجد اليه تعالى لئلا يحرم القارئ من بركات القراءة وأنواره. نعم من حيث كون الاستعاذة جزء من الصلاة تدخل في باب التعبديات فحق القول فيه أيضا شمول خطابات القرآن