والفضل من البادي بها وعلى نحو الفريضة والإيجاب من المسلم عليه بالمبدء بها هو المتفضل والفضل لمن سبق والمجيب قد أدى فريضة وعمل وظيفته وحيث أن سنته تعالى الابتداء لهذه التحية الطيبة كغيرها من مواهبه وعطاياه سبحانه وكذلك سنة ملائكته السفرة الكرام وأنبيائه العظام فعلى أهل البصائر والاستبصار التأسي بسنة الله تعالى وسنة أوليائه والتقدم والتكرم بهذه التحية على إخوانه المؤمنين وافشائه وإسماعه والإجهار به عن رغبة وبهجة فالأحسن أن يبتدأ من العالي وينتهي إلى الداني وان يشرع عن الشريف ويختتم على الوضيع فيسلم الراكب على الماشي والقائم على القاعد وهكذا فتبين ان تسنين هذه السنة ليست شعارا للتابعية والمتبوعية ولا علامة للرئاسة والمرؤوسية بل أسست وبنيت على التعاطف والتراؤف وعلى إلغاء الامتيازات إذ مع صرف النظر عنها وحين يبتدأ بالسلام على من دونه فلا يفرق في المواجهة بين الفقير والغني في نور الثقلين ج ١ ص ٤٣٥ عن فضل بن كثير عن علي بن موسى الرضا (ع) قال من لقي فقيرا فيسلم عليه خلاف سلامه لقي الله عزوجل وهو عليه غضبان.
قوله تعالى ـ (إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً). الحسيب من أسمائه تعالى الحسنى وقد أطلق وأريد منه في الكتاب والسنة والأدعية والأذكار الكافية اي كافية في جميع المهمات وعظائم الأمور في دفع الحساد والنصرة على الأعداء والأضداد قال تعالى ـ (عَطاءً حِساباً) (النبإ ٣٦) اي كافيا قال تعالى (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) (الطلاق ٣) وقد يطلق ويراد منه الحاسب والمحاسب قيل ان أصل الحساب العد وكل معدود محسوب قال تعالى (وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ) (الأنبياء ٢١) أقول الظاهر ان المناسب في المقام هو المعنى الثاني لاشتمال المقام وإشعاره بالتهديد والتخويف اي ان الله تعالى هو الحسيب على كل شيء والمهيمن والمراقب على ما يعمله العباد وما تكن صدورهم وما يضمرون في قلوبهم ففي النهج عن علي (ع) في خطبة ـ الى ان قال ـ وحاسب نفسك لنفسك فان غيرك من الأنفس عليها حسيب غيرك. الخطبة أقول فالحسب على الأنفس هو الله سبحانه (أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ) (إنعام ٦٢).
(الآية الثانية)
قال تعالى (إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (انعام ١٦٣) ففي القاموس النسك مثلثة وبضمتين العبادة وكل حق لله عزوجل الى ان قال الذبيحة. انتهى.
أقول استدلوا بهذه الآية على وجوب الإخلاص في نية العبادة وتنزيه العبادة وتطهيرها عن الرياء وقالوا ان المراد من قوله (مَحْيايَ وَمَماتِي) أي ما أعلمه من العبادات في حياتي وما أفعله من الوصية بالخيرات وأمثالها بعد موتي أن تكون كلها