انتهى أقول : ليست هنا صلاة ، ولا دلالة في الآية عليها وانما نهى رسوله والمؤمنين عن مطلق الصلاة على الكفار ولو صح خروج رسول الله (ص) الى جنازة هذا المنافق فما صلى عليه وما دعي له بل من الممكن إنه دعي عليه وهو المنقول عن طرق أئمة أهل البيت (ع).
قال في الكشاف (طبعة قاهرة ص ٢٣٠) في تفسير قوله تعالى (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) الآية : سئل ابن عبد الله بن ابي رسول الله (ص) وكان رجلا صالحا يستغفر لأبيه في مرضه ففعل فنزلت فقال رسول الله (ص) ان الله قد رخص لي فسأزيد على السبعين فنزلت (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) انتهى.
أقول الآية الأولى صريحة في المنع عن الاستغفار وانه لم تغن عنهم شيئا ولا دلالة فيها على التخيير والتعبير بالسبعين لإفادة التكثير وكيف نسبوا الى رسول الله (ص) انه كان مصرا على الاستغفار وفهم عن الآية الترخيص والتخيير وأراد ان يزيد على السبعين فنهاه الله ثانيا وانزل عليه (ص) سواء عليهم الآية وقد عرفت ان الآية الأولى نزلت قبل موت عبد الله بسنة والآية الثانية في سورة المنافقين نزلت في السنة الخامسة وفي الكامل انها في السنة السادسة من الهجرة في غزوة بني المصطلق وعبد الله حي وهو القائل (لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ) ـ المنافقون ـ (٨).
(الآية الخامسة)
قال تعالى (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً) (النساء ١٠٠).
بيان : قال في القاموس الجناح بالضم الإثم وقال أيضا والقصر كعنب خلاف الطول ـ الى ان قال ـ والقصر خلاف المد انتهى. والفتنة بحسب موارد الاستعمال العذاب والمكروه وادعى بعضهم ان الفتنة في الآية بمعنى القتل.
والظاهر من الآية الكريمة الترخيص في ان القصر متوقف على السفر وتحقق الخوف أيضا لتعليق الحكم على كلا الشرطين معا فلا محالة ينتفي الحكم بانتفاء أحد الشرطين فلا قصر مع الأمن وان كان مسافرا ولا على المقيم وان كان خائفا وأجاب المحقق الأردبيلي (قده) والجزائري بما خلاصته ان دلالة الآية على نفي ـ الحكم عن المسافر مع الأمن انما هو بالمفهوم وهو حجة ان لم يرد الشرط مورد الغالب كما هو الشأن في مورد النزول فإن أسفار النبي (ص) وأصحابه كان الغالب فيها الجهاد ومظنة اصابة المكروه من الكافرين فلا يدور الحكم مدار هذا الشرط بل يعمه وغيره