ان الله عزوجل يقول (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) فصار التقصير في السفر واجبا كوجوب التمام في الحضر قالا قلنا انما قال الله عزوجل (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) ولم يقل افعلوا فكيف أوجب التمام في الحضر فقال (ع) أو ليس قد قال الله عزوجل في الصفا والمروة (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) الا ترون ان الطواف بهما واجب مفروض لان الله عزوجل ذكره في كتابه وصنعه النبي (ص) كذلك التقصير في السفر شيء صنعه النبي (ص) وذكره الله في كتابه الحديث.
أقول ظاهر انه عليهالسلام انما أفاد ان الوجوب والعزيمة في كلا الموردين مستند الى فعل النبي (ص) وسنته القطعية ولو كانت الآية ظاهرة في العزيمة ودالة عليها بوجه الإفادة (ع) فالسكوت عن الاستدلال بالآية والعدول عنها الى فعل النبي (ص) فيه دلالة على ما ذكرنا من المطلوب وفي الكشاف بعد اتباع العزيمة بالروايات عن طريق أهل السنة قال فان قلت فما تصنع بقوله (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا) قلت كأنهم ألفوا الإتمام فكانوا مظنة لان يخطر ببالهم ان عليهم نقصا في القصر فنفى عنهم الجناح لتطيب أنفسهم بالقصر ويطمئنوا اليه انتهى.
«فروع»
الأول : ظاهر إطلاق الآية ترتب القصر على السفر والضرب في الأرض قليلا كان أو كثيرا وحيث انها قضية حقيقية في مساق التشريع فهي في معرض التقييد من هذا الحديث وكذلك من الجهات الأخرى فلا يجوز الأخذ بإطلاقها قبل الفحص عن مقيداتها فالسفر الذي يجب فيه القصر بحسب الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت (ع) ثمانية فراسخ وعند الشافعي ستة عشر فرسخا وعند أبي حنيفة أربعة وعشرون فرسخا ذكره الشيخ (قده) في الخلاف ص ٢٢٠.
الثاني : مقتضى إطلاق الآية جواز القصر بمحض الشروع في السفر قد قيدت بالسنن الدالة على اشتراط إخفاء الآذان أو خفاء الجدران أو كليهما على ما قالوا.
الثالث : الآية الكريمة واردة في سياق الامتنان كرامة لهذه الأمة وتسهيلا لهم في نيل حوائجهم وكسب معايشهم فلا يشمل السفر الأعم من المباح والحرام إذ لا معنى ولا محصل للإرفاق والامتنان في أمر يعصي الله سبحانه فيه.
(الآية السادسة)
قال تعالى (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً