سبحانه على عباده وهداهم به الى سعادتهم العاجلة والآجلة وهو تام كامل بحسب الأصول والفروع بحسب الأزمان والأدوار والظاهر ان المراد من إتمامه تعالى هذا الدين جعله تعالى الأحكام الاضطرارية وتبديل ما يلزم من إتيانه الحرج بالأخف والأسهل كي لا يقع المكلف في مضيقة الحكم الاولي لو امتثله ولا يقع في مخمصة مخالفته وعصيانه ولا يكون الموارد خاليا عن الحكم كي يحرم المكلف من فضيلة العبودية ونور الطاعة وتمامية الدين واشتماله على حكم كل واقعة وحادثة في جميع شئون المكلفين من الفارقات بين مذهب الإمامية وغيرهم من الفرق ، مبناء على مذهبهم لا يخلو واقعة من الحكم الشرعي لا بد من استنباطه وتفهيمه من الكتاب والسنة.
قوله تعالى ـ (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ـ ذكر بعض المفسرين في تفسيره ما خلاصته ان شكره تعالى ان يطاع ولا يعصى ويذكر فلا ينسى. أقول : هذا أعلى مراتب الشكر وصرف كل نعمة منه تعالى في عبادته وطاعته.
الآية الثانية
قال تعالى (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) الآية النساء (٤٣).
قوله تعالى ـ (وَأَنْتُمْ سُكارى) ـ حال من فاعل لا تقربوا وهو صريح على إطلاقه في حرمة الدخول في الصلاة واختلفوا في المراد من السكر في الآية الشريفة فقيل ان المراد من السكر سكر الخمر وان الآية نزلت في شأن جمع من الصحابة كانوا على مائدة في منزل عبد الرحمن ابن عوف فشربوا وسكروا وقاموا الى الصلاة وتقدم أحد منهم ليصلي بهم فقرأ أعبد ما تعبدون وأنتم عابدون ما أعبد فنزلت وكانوا لا يشربون أوقات الصلاة وإذا صلوا العشاء شربوها فلا يصبحون الا وقد ذهب عنهم السكر وعلموا ما يقولون وعن ابن عباس نزلت في جماعة من أكابر الصحابة قبل تحريم الخمر كانوا يشربونها ثم يأتون المسجد للصلاة مع رسول الله (ص) فنهاهم الله عنه وعن ربيع الأبرار للزمخشري قال انزل الله في الخمر ثلاث آيات (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) الآية (بقرة ٢١٩) فكان بين شارب وتارك الى ان شربها رجل فدخل في صلاته فهجر فنزل (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) الآية فشربها من يشربها من المسلمين حتى شربها عمر فأخذ لحى بعير فشج رأس عبد الرحمن بن عوف ثم قعد ينوح على قتلى بدر بشعر الأسود بن يغفر (الاشعار) مبلغ ذلك رسول الله (ص) فخرج مغضبا يجر ردائه فرفع شيئا كان في يده ليضربه فقال أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسول الله فأنزل سبحانه (إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ) الآية (مائدة ٩٠) أقول وبهذا المعنى روايات عند أهل السنة وكلماتهم ورواياتهم في غاية الاضطراب لا يلائم صريح الآيات وظواهرها