هذا الكلام من أعلام علماء المعاني والبيان انتهى. أقول : فبناء عليه لا تقربوا الصلاة وبكم نعاس وسكر من غلبة النوم ولا تقربوا مواضعها وأنتم جنب وهو المؤيد بالروايات عن أئمة أهل البيت (ع) وأضعف التفاسير ما تكلفه بعض المفسرين ان المراد من الصلاة المساجد عبر كناية عن المساجد بالصلاة لغلبة وقوعها فيها ووجه الضعف أن صراحة التعليل وهو قوله (حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) ظاهر بل نص في إرادة نفس الصلاة لا أماكنها قوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى) الآية قد مر تفصيل القول فيها.
قال تعالى (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (البينة ٥).
استدلوا بهذه الآية على وجوب النية في العبادات وفي الطهارات والظاهر انهم أرادوا وجوب الإخلاص فيها فلا محالة يدل وجوب الإخلاص في النية على وجوب النية أيضا ومع قطع النظر عن هذا التوجيه ليس في ظاهر الآية ما يدل على وجوب النية في العبادات بالمعنى الذي ذكروه في نية العبادات في أبواب الفقه.
وقد استظهر بعضهم أصالة العبادية في كل ما أمر به من الواجبات بمعونة الحصر الوارد فيها الا ما أخرجه الدليل وسيجيء التعرض الى وهن هذا القول في ذيل البحث إن شاء الله تعالى.
(قوله تعالى (مُخْلِصِينَ)) حال من فاعل يعبدوا ومعنى الإخلاص كما في قلائد الدرر عن بعضهم انه تنزيه العمل من أن يكون لغير الله فيه نصيب وقيل هو إخراج الخلق عن معاملة الحق وقيل هو ستر العمل عن الخلائق وتصفيته عن العلائق وقيل هو ان لا يريد عامله عليه عوضا في الدارين وفي كنز العرفان فصل معنى كونه له تعالى ان يفعله خوفا من عقابه ورجاء لثوابه وقيل يفعله حياء منه أو حبا له وقيل تعظيما له ومهابة وانقيادا ولا يخطر بباله عوض آخر سواه الى ان قال في تأييد القول الأخير وهو الأقوى لأن عدا ذلك شرك مناف للإخلاص انتهى ما أردناه. ولا يخفى ما فيه من الضعف ففي الكتاب والسنة تصريح بان من أتى بالعبادات خوفا من ناره وطمعا في جنته وغيرها من الدواعي التي يرتبط بالآخرة إليه تعالى فلا إشكال في صحتها قال تعالى (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً) (السجدة ١٧) قال تعالى (وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً) (أنبياء ٩٠) قال تعالى (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ) (زمر ٩).
فالمتقين عند أعاظم الفقهاء قدس الله أسرارهم تنزيل تلك الآيات والسنن الكثيرة