ويجب الالتزام بأن الحكم ما حكم والدين ما شرع والسبيل ما أوضح والطريق ما بين وكل من وضع دينا أو تشرع حكما أو ادعى دعوة فهو افتراء وكذب وواضعه صنم وطاغوت يعبد من دون الله يجب ان يكفر به ويتبرء منه فتحصل ان الآية في مقام حصر العبادة لله ونفي الشركاء منه تعالى لا إخلاص العباد لله تعالى.
قال تعالى (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ) (عنكبوت ٦٥) قوله تعالى (مُخْلِصِينَ) اي موحدين له تعالى بالالوهية والتدين بدينه فقط قال تعالى (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) «يونس ٢٢» قال تعالى (وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) «لقمان ٣٢».
ويؤيد ذلك ما ذكره بعض المفسرين عطف قوله (وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ) عليه قال المولى العلامة الأنصاري في كتاب الطهارة : فالآية ظاهرة في التوحيد ونفي الشرك من وجوه. منها لزوم تخصيص العموم بأكثر من الباقي ، ومنها عطف إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة على العبادة الخالصة عن الشرك وهو التوحيد الى ان قال : وبما ذكرناه فسره جماعة فعن مجمع البيان (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) اي لا يخلطون بعبادته عبادة من سواه وعن البيضاوي أي لا يشركون به وعن النيشابوري تفسيره بالتوحيد وجزم بذلك شيخنا البهائي في الأربعين انتهى.
ثم لا يخفى انه بناء على تسليم ما ذكروه في الآية انها مسوقة لإثبات الإخلاص انما هو لإثبات الإخلاص في العبادة المفروغ من كونها عبادة فليس سياقها افادة تشريع الإخلاص وإيجاب النية في العبادات فينهدم ما توهمه بعض عن أصالة العبادية في الواجبات مضافا الى سقوطه لسقوط أصل الدعوى وان الآية في مقام إثبات التوحيد ونفي الشرك.
ولا يخفى أيضا ان سبب هذا التوهم انما نشأ من لفظ يعبدوا وقد توهم المستدل ان المراد هي العبادة المصطلحة وظن ان ألفاظ القرآن لا بد ان يحمل على المعاني اللغوية ، والعبادة في اللغة بمعنى التذلل والتواضع وهو معنى عام صادق بالإقرار والاعتراف بالله لتوحيده ويتحقق بالتسبيح والتمجيد وكذلك جميع العبادات الذاتية ويتحقق أيضا بقصد الأمر في غير العبادات الذاتية فهذا التوهم ساقط بسقوط أصله أي كون المراد من العبادة هي العبادات المشروعة من قبل الشارع مع ما لها من الشرائط والاجزاء.
الآية الرابعة
قال تعالى (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ لا يَمَسُّهُ إِلَّا