ورد في الكتاب والسنة في هذا الباب فهو إرشاد وتذكر الى ما أدركه العقل تدور تلك الخطابات مدار ما أرشد إليه العقل فيسقط الأخذ بالعموم التعبدي فالخباثة قبيح ورجس بجميع أقسامها حسية كانت أو معنوية بحسب مراتبها شدة وضعفا. وكذلك النظافة والوضائة حسن جميل بحسب مراتبها شدة وضعفا حسية كانت أو معنوية.
الآية السادسة
قال تعالى (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً) (فرقان ٤٩) المستفاد من موارد الاستعمال ان طهورا قد استعمل في ثلاثة معان :
الأول ـ للمبالغة من الطاهر مثل أكول وضروب ومعنى المبالغة فيه مع ان مادة طهر لازم غير متعد إلى شدة الطهارة والوضائة فيه مثل قوله تعالى (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً).
الثاني ـ بمعنى المصدر ومنه قوله (ع) لا صلاة إلا بطهور.
الثالث ـ انه اسم لما يتطهر به كالسحور لما يسحر به والوقود لما يوقد به مثل قوله تعالى (فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) (البقرة ٢٤) وذهب الى كل من هذه المعاني فريق فالحنفية إلى انها بمعنى المبالغة لا غير.
والحق ان المعاني المذكورة كلها صحيحة وقد وردت في الاستعمال وصرح به اساتيذ اللغة فلا وجه لإثبات واحد ونفي ما سواه قال في القاموس الطهور المصدر واسم لما يتطهر به والطاهر المطهر. وفي أقرب الموارد الطهور المصدر واسم لما يتطهر به كالوضوء والوقود لما يتوضأ به ويوقد به (ما عندي طهورا تطهر به اي وضوء أتوضأ به يقال التوبة طهور للمذنب) وقيل الطاهر المطهر ومنه أنزلنا من السماء ماء طهورا اي مطهرا اطلب لي ماء طهورا اي بليغا في الطهارة لا شبهة فيه وعن الصحاح الطهور ما يتطهر به كالسحور وعن الفاضل الفيومي في كتاب مصباح المنير حيث قال : وطهور قيل مبالغة وانه بمعنى طاهر والأكثر انه لوصف زائد قال ابن فارس قال تغلب الطهور في نفسه والمطهر لغيره وقال الأزهري أيضا الطهور في اللغة الطاهر المطهر وفعول في كلام العرب لمعان منها فعول لما يفعل بل مثل الطهور لما يتطهر به انتهى ما أردناه.
أقول وقد كثر التشاجر والاختلاف بين المتأخرين في ان الطهور بمعنى الطهر وعندي ان هذا النزاع قليل الجدوى وقد أعرضنا عن إيراده في المقام فان الطهور بمعنى ما يتطهر به يرجع عند التحليل ان الماء طاهر ومطهر فلا ينبغي ـ بعد ثبوت ان المراد منه ما يتطهر به ـ النزاع في ان طهورا ليس بمعنى الطاهر المطهر ويصير النزاع لفظيا والحق في المقام أن الظاهر