من الآية هو المعنى الثالث والآية الكريمة وما في سياقها من الآيات والروايات إمضاء لهذه الفطرة وإرشاد إليها وتذكر بها وتحديد لحدودها فعن المستدرك من الجعفريات بسنده الشريف عن علي أمير المؤمنين (ع) قال قال رسول الله (ص) الماء يطهر ولا يطهر وبهذا السند عنه أيضا قال : الماء يطهر ولا يطهر ورواه في البحار عن المحاسن عن أبي عبد الله عن أمير المؤمنين (ع) ورواه أيضا عن الراوندي عن موسى بن جعفر عن آبائه عن النبي (ص).
وقد استشكل على هذا الاستدلال بوجوه منها ان الآية تدل على مطهرية الماء النازل من السماء فقط والدليل أخص من المدعى وفيه ان خصوصية المورد لا ينافي الإطلاق بل يجب الأخذ به سيما بمعونة ما ذكرناه ان المقام مقام التذكر والإرشاد لا مقام التشريع والتأسيس وأجيب أيضا ان المياه كلها نازلة من السماء فسلكها الله تعالى (يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ) وفيه ان هذه المسألة مسألة علمية طبيعية وإثبات أن مواد المياه الموجودة في العالم أو نفس المياه كلها نازلة من السماء استنادا بالآيات الكريمة موكول الى محل آخر والجواب الفقهي ما ذكرناه.
والاشكال الثاني ان ماء نكرة في سياق الإثبات فلا عموم فيها ولا إطلاق والجواب ان الظاهر من الماء بمعنى الجنس لا النكرة ومورد الإمضاء هي طبيعة الماء وماهيته لا الفرد المبهم لا بعينه وأجاب في الحدائق بأن النكرة في سياق الإثبات وأن لم يكن مفيدا للعموم الا انه سيق الكلام في مقام الامتنان والتفضل للعموم في جميع الحوائج الضرورية سيما بملاحظة ما ورد من التهديد في قوله تعالى (وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ) وهذه النكرة مثل ما ذكروه في قوله تعالى (فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) وهذا الجواب لا بأس به والأظهر ما ذكرناه.
والاشكال الثالث ان طهورا كيف يكون بمعنى المطهر والحال ان طهر فعل لازم غير متعد والجواب ان استعمال طهور بمعنى ما يتطهر به سماعي قد تواتر في استعمال العرب واجمع علماء اللغة بالتنصيص به ويستدل أيضا على ما استظهرناه من العموم في قوله تعالى (ماءً) بقوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ). (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) ، الآية فعلق جواز التيمم على عدم وجدان الماء و (ماء) في هذه الآية نكرة في سياق النفي فلا يجوز التيمم لو وجد نوع من أنواع المياه كما هو نص الكتاب والسنة القطعية وإجماع علماء الإسلام فلا يصغي الى ما نقل عن عبد الله بن عمر وابن عاص من جواز التيمم مع وجود ماء البحر وما عن سعيد بن مسيب عن عدم جواز الوضوء مع وجود ماء آخر ولا دليل على مطهرية مائع آخر غير الماء كالنبيذ عند أبي حنيفة.