وقيل ان المراد من تثبيت الاقدام ان الوادي كان رملا يسيخ فيه أقدامهم فتبلل الوادي بنزول المطر وتثبت فيه أقدامهم وهذا الوجه انما يمكن بناء على ان قوله تعالى (وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ) مترتب ومتفرع على قوله (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً) واما بناء على ما ذكرنا انه متفرع على قوله (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً) فيكون (يُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ) عطفا عليه فيكون ظاهر في الصبر والثبات القلبي.
الآية الثامنة
(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (البقرة ٢٢٢) قيل في وجه السؤال ان سنة اليهود في أمر النساء والاجتناب عنهن في زمن الحيض كانت في طرف الإفراط وقد سرت هذه العادة إلى الأعراب الوثنيين المخالطين مع اليهود وكانوا يفارقونهن في المسكن والمطعم والمشرب وأمثالها وكانت النصارى على طرف التفريط والتساهل ولا يبالون بشيء أمرهن فالمحيض مصدر من حاض يحيض فقد وقع السؤال عن نفس الحيض بلحاظ نفس الحيض لا باعتبار أحكامه وقوله (أَذىً) جواب عن هذا السؤال فالمشهور في تفسير الأذى انه القذر والنجس وقوله يشكل حملة على الحيض بمعناه المصدري قال في آلاء الرحمن ص ١٩٨ ولا بد في قوله بل هو أذى نحو من الاستخدام فان الحيض بمعناه المصدري ليس قذرا يجتنبه الرجال وانما القذر والذي هو الدم ويحسن هذا بشدة الملابسة والاستغناء به عن التصريح باسم دم الحيض المتعذر انتهى.
وقيل ان أذى بمعنى الضرر والحق ان أذى ليس بمعنى قذر ولا بمعنى الضرر والمواد المستعملة فيها أذى تشهد على خلافه قال (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً) و (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) وغيرهما من الآيات وقال في القاموس في تفسير أذى هي المكروه وفي أقرب الموارد أذى يأذي وآذاه وصل اليه المكروه وما ذكروه في معناه أنه القذر والمتقذر أو الضرر من مصاديق المعنى الذي ذكرناه ينطبق عليه أحيانا لا مطلقا.
فالمتحصل من موارد الاستعمال ومن تصريح أهل اللغة انه المكروه المنافر للطبع الغير الملائم به وكيف كان فهو جواب عن السؤال وهو نفس الحيض وفيه تعرض لما كان دائرا ورائجا في الوقت من الغلو والإفراط والخرافات في أمر النساء والحيض وشدة الاجتناب عنهن وأجاب وأجمل في الجواب بالأخذ بالوسط الحق بين الغالين المفرطين وبين المتساهلين الذين لا يبالون بشيء من أمرهن ثم أخذ في بيان الحكم وبيان الوظيفة العادلة في الاجتناب عنهن وعبر عن هذا الاجتناب كناية بالاعتزال والنهي وعدم القرب منهن وهو الاختلاط الجنسي على ما سيجيء بيانه فان المعلوم من سنة القرآن المبين الصفح عن التعريض بما يستقبح ذكره ومن العجيب ما في