الآية الاولى
قال تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (مائدة ٦) قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) الآية استشكل في توجيه الخطاب إلى المؤمنين بأن موضوع الخطاب عندنا أعم من الكفار والمؤمنين وأجاب عنه الفاضل المقداد (قده) وكذا الجزائري (قده) ان توهم الاختصاص بالمؤمنين متوقف على حجية مفهوم الوصف وهو ليس بحجة عندنا ووجه الاختصاص بالمؤمنين انهم المتهيئون للامتثال المنتفعون بالأعمال وقال الجزائري ويمكن أن يكون وجه ذلك كونهم الأشرف والاجدر بأن يوجه الخطاب إليهم انتهى.
أقول قد نسب إلى الإمامية ان الكفار مكلفون على الفروع كما انهم مكلفون على الأصول خلافا لأبي حنيفة والظاهر ان مورد البحث هو الأحكام الشرعية التعبدية لا الأصول ولا الأحكام الفرعية العقلية لا مطلقا وفي نسبة ذلك الى المشهور نوع خفاء وإبهام فإن الظاهر من كلماتهم كما صرح به الشيخ العلامة الأنصاري في كتاب الطهارة في بحث غسل الجنابة ووجوبه على الكافر بأقسامه ان مرادهم ان الكفار مكلفون بالفروع عقابا لا خطابا توضيحه : ان استبعاد توجيه الخطاب إليهم مع انهم منكرون للصانع وأصول الآيات وأمهات الشرائع وعدم صحة العبادات منهم مع كفرهم لا ينافي صحة عقابهم ومؤاخذتهم فان الممتنع بالاختيار لا ينافي الاختيار وقد بالغ الشيخ (قده) وأصر في إبطال أدلة القائلين بعدم توجه الخطاب الى الكفار منهم المحقق الكاشاني والمحدث البحراني في الحدائق في البحث عن غسل الجنابة.
وقد استدل للمشهور بآيات منها قوله تعالى (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (بقرة ٢١) وفيه ان مورد الآية الحكم العقلي والدعوة الى التوحيد والنهي عن الشرك والتذكر أن يتدبروا في أسرار الخليقة وفي آيات التدبير العمدي والربوبية ومنها بقوله تعالى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (آل عمران ٩٧) وفيه ان المستدل قد غفل عن ذيل الآية (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) والمراد من الكفر كفر الطاعة لا الكفر بالربوبية ومنها قوله تعالى (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ) (نساء ١) وفيه ان الاتقاء والمراقبة التامة بجلاله تعالى وكبريائه فريضة عقلية ومنها قوله تعالى (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً) (فرقان ٦٨) وفيه ان صدر الآية هكذا (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ