والشرك انتهى وفي أقرب الموارد عبارة القاموس بعينه ولا يخفى ان ما سوى القذر من المعاني لا يناسب المقام الا بضرب من التأويل فإنه (ص) كان معتصما بالله ومعصوما بعصمته وقد كان مقدسا ومنزها عن الشرك وعبادة الأوثان فالمناسب في المقام هو المعنى الأول للتذكر بحسن الاجتناب أو لأجل التشريع في بعض الموارد وبديهي ان الخطاب وان كان شخصيا الا ان الحكم عام لبداهة حسنه. وعن ابن عباس وقتادة ومجاهد ان المراد منه عبادة الأصنام وقيل هما صنما «إساف ونائلة» وقيل اخرج حب دنيا دنية عن قلبك وقيل عن المعاصي والحق في المقام ما ذكرناه.
الآية الثانية عشرة
قال تعالى (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) البقرة ١٢٤.
بيان ـ قال في القاموس ج ٤ ص ٣٠٦ ابتليته اختبرته والرجل فأبلاني استخبرته فأخبرني وامتحنته اختبرته كبلوته بلواء وبلاء والاسم البلوى أقول ليس غرضه تعالى من الامتحان الاستطلاع على سرائر عباده واستكشاف ما في بواطنهم لاستحالة ذلك في حقه تعالى فإنه لا يخفى عليه نجيات الصدور وسرائر القلوب بن المراد منه هي العناية الخاصة والاهتمام الأكيد منه جل ثناؤه من سنته الحكيمة الحميدة في تربية أوليائه وتكميل أحبائه.
فعن الصادق عليهالسلام (١) قال الى ان قال والابتلاء على ضربين أحدهما مستحيل على الله تعالى ذكره والآخر جائز اما ما يستحيل فهو ان يختبره فيعلم ما تكشف الأيام عنه وهذا ما لا يصلح لأنه عزوجل علام الغيوب والضرب الآخر من الابتلاء ان يبتليه حتى يصبر في ما يبتليه فيكون على سبيل الاستحقاق.
قوله تعالى (بِكَلِماتٍ) بيان هذه الكلمات من كبار التكاليف وعظائم الأمور وأشرف المواهب وأعظم العطايا ضرورة ان ظرف هذا الابتلاء وموقفه ومورده بعد تشرف إبراهيم (ع) بمقام النبوة والرسالة وبعد تحليه بلباس الاصطفاء والخلة. وقد تأدب بأدب العبودية وحصلت له الطمأنينة والسكينة الإلهية وقد تمكن من حمل أثقال النبوة والرسالة وقد حان الحين أن يعرج الى سماء الإمامة الرفيعة ويتكئ على كرسي الكرامة وليس المراد من الكلمات هي الخصال العشرة التي سنها إبراهيم قبل رسالته ونبوته كي يكون بإتيانها مستحقا ونائلا بمقام الرسالة والنبوة أو أمتحن به في مرتبة الرسالة والنبوة فصار بامتثالها نائلا بمقام الإمامة على ما سيجيء الكلام في ذلك في معنى الامام المذكور في الآية الكريمة.
وواضح أن المراد بالكلمات ليست ما هو المصطلح عند الناس من جنس
__________________
(١) في البرهان ج ١ ص ١٤٧ عن الصدوق.