سفههم أن كيف ضربوا لك الأمثال ، وشبهوك بها ؛ نسبوك مرة إلى السحر وقالوا : إنك ساحر ، ومرة إلى الجنون وقالوا : إنك مجنون ، ومرة إلى الشعر وقالوا : إنك شاعر ، ومرة إلى الكذب حيث قالوا : بل هو كذاب أشر ، ونحو هذا مما كانوا ينسبونه إليه ، فيقول ـ والله أعلم ـ : انظر إلى سفههم أن كيف ضربوا لك الأمثال ونسبوك إلى ما ذكروا ، على علم منهم أنك لست كذلك ولا على ذلك ، وأنك على الحق وهم على باطل وكذب.
أو أن يكون قوله : (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ) ما قالوا : (لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً. أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها) وأمثال ما سألوا ، فيقولون : لو كان ما يقول إنه رسول ، لكان ذلك له أعلام الرسالة وأمارات صدقه ، فيخبر أن الأعلام والآيات ليست تأتي على شهوات سؤال المعاندين وأمانيهم ، ولكن إنما تجيء على ما توجيه الحكمة ، مما يدل على صدق ما ادعى ويظهر كذب من عاند وتولى ، وقد أتاهم محمد صلوات الله عليه وسلامه بحجج وبراهين ما أظهر لهم صدق ما ادعى من الرسالة والنبوة ، لكنهم عاندوها وكابروا ، فلم يقروا بها خوفا أن يذهب عنهم رياستهم (١).
وقوله : (فَضَلُّوا) لا شك أنهم قد ضلوا عن الهدى ، أي : عدلوا بضربهم الأمثال له ، ونسبتهم إياه إلى ما نسبوه إليه ؛ فلا يستطيعون سبيلا إلى الهدى أو إلى ما سألوا من الأشياء.
وفي حرف حفصة : فلا يهتدون سبيلا.
وقال بعضهم (٢) : فلا يستطيعون مخرجا من الأمثال التي ضربوها لك ، والله أعلم.
قوله تعالى : (تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً (١٠) بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً (١١) إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً (١٢) وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً (١٣) لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً)(١٤)
وقوله : (تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ) قد ذكرنا أنه خرج جواب ما سألوه من الأشياء : من الملك والكنز والجنة وأنواع الطعن الذي طعنوه ، أي : لو شاء لأعطاك
__________________
(١) ينظر : اللباب (١٤ / ٤٨٣).
(٢) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير (٢٦٢٧٩) ، والفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ١١٥).