بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ)(٣٥)
حيث قالت : (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ) فكأنهم قالوا : ممن ذلك الكتاب؟ فقالت عند ذلك (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ).
وقوله : (كِتابٌ كَرِيمٌ) : قال بعضهم (١) : أي : حسن ؛ لما رأت فيه من الكلام الحسن والقول اللطيف.
وقال بعضهم : (كِتابٌ كَرِيمٌ) أي : مختوم ، وقد ذكر في الخبر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «من كرم الكتاب ختمه» أو كلام نحو هذا أو شبهه.
وجائز أن يكون فيه إضمار ، أي : إني ألقي إليّ كتاب من إنسان كريم ، وسليمان كان معروفا بالكرم ، يشبه أن يكون قد أتاها خبر كرمه.
و (الْمَلَأُ) قالوا : هم الأشراف وأهل السؤدد.
وقال الزجاج (٢) : سموا لما اجتمع عندهم من حاجات الناس ، وحسن الرأي والتدبير في كل شيء من الأمور ، أو كلام نحو هذا.
وقوله : (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) : هو ما ذكرنا كأنهم سألوها ممن ذلك الكتاب؟ فقالت : (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ) ، وسألوها ـ أيضا ـ : ما في ذلك الكتاب؟ فقالت : (وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ).
قوله : (أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَ) أي : لا تتكبروا ولا تتعظموا عليّ.
(وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) : مخلصين لله بالتوحيد ، أي : اجعلوا أنفسكم سالمة لله خالصة له ، لا تجعلوا لأحد سواه فيها شركا ولا حقّا ؛ لأنه أخبر أنهم كانوا يسجدون للشمس من دون الله فيخبر في الكتاب ، حيث افتتح ببسم الله الرحمن الرحيم : أن الذي يستحق السجود والعبادة هو الله الرحمن الرحيم لا ما تعبدون أنتم.
ثم إن من عادة الأنبياء والرسل الإيجاز في الكلام والرسائل ، لا يشتغلون بفضول الكلام وتطويله ، على ما ذكر من كتاب سليمان إلى بلقيس : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) ذكر هذا القدر كان الكتاب ، والله أعلم.
وقوله : (قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ) : استشارت أشراف قومها وطلبت منهم الرأي في ذلك ، وهكذا عمل الملوك وعادتهم أنهم إذا أرادوا
__________________
(١) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير (٢٦٩٤٨) ، وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢٠٠).
(٢) ينظر : معاني القرآن وإعرابه (٤ / ١١٨).