وقوله : (فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) : غني : عن شكره ، كريم : يقبل القليل منه واليسير.
وقوله : (قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها) : قال أهل التأويل (١) : (نَكِّرُوا) أي : غيروا لها عرشها ؛ كأنه أمر أن يغيروا بعض ما عليه من الزيادة والنقصان ؛ ليمتحنها أتعرف أنه عرشها أم لا؟ والمنكر هو الذي لا يعرف ؛ كقوله : (قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) [الحجر : ٦٢] ، وقوله : (نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً) [هود : ٧٠] أي : لم يعرفهم.
وقوله : (نَكِّرُوا لَها عَرْشَها) : كان يجيء أن يقال : نكروا عرشها ، ويكون (لَها) زائدة ، إلا أن يقال : (نَكِّرُوا لَها) ، أي : نكروا لأجلها عرشها ، وهذا يشبه أن يكون.
وقوله : (نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ) : قال أهل التأويل : أتهتدي أنه عرشها أو لا تهتدي إليه؟
وجائز أن يكون قوله ننظر : أتهتدي إلى دين الله وتوحيده ، أم تكون من الذين لا يهتدون إلى دين الله؟
قوله تعالى : (فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (٤٢) وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ (٤٣) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٤٤)
وقوله : (فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ) : قال بعضهم (٢) : شبهت هي عليهم ولبست أمره ، كما فعلوا هم بها من تغيير عرشها عليها وتلبيسه عليها ، لكن قوله : (كَأَنَّهُ هُوَ) لم تقطع فيه القول لما رأت فيه من التغيير والتنكير ، ورأت فيه سررها ـ وقفت فيه.
ودل قوله : (فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ) أن العرش لم يحمل وهي نائمة ، على ما قاله بعض أهل التأويل : إنه حمل دونها من قبل ، ثم جاءت بعد ذلك ـ والله أعلم ـ ألا ترى أنه لو أمرهم أن يغيروا عرشها وهي عليه لم تشعر به ـ هذا بعيد ، والله أعلم بذلك.
وقوله : (وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ) : إن كان هذا القول من سليمان فكأنه يقول : قد أوتينا العلم من قبل علمها به أنه عرشها ، ولنا غنية عن السؤال لها عنه ، لكن نسألها مستخبرين عن ذلك ممتحنين لها.
وقوله : (وَكُنَّا مُسْلِمِينَ) أي : صرنا مسلمين جميعا ، وأن يكون هذا صلة قوله : (وَلَقَدْ
__________________
(١) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٧٠١٣) ، وعن مجاهد (٢٧٠١٥) و (٢٧٠١٦).
(٢) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير (٢٧٠٢٤) ، والفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢٠٦).