قوله تعالى : (قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً (١٥) لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً)(١٦)
وقوله : (قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) : يشبه أن يكون قال هذا لقولهم : (لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً. أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها) ، فيقول : أذلك الذي سألتموه أنتم خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون؟!
أو يكون قال ذلك لهم لما رأوا لأنفسهم الفضل والمنزلة في الدنيا ؛ لما وسع عليهم الدنيا وأعطوا من حطامها ، فقال : أذلك الذي أعطيتم في الدنيا من السعة خير ، أم جنة الخلد التي أعطي المتقون؟! والله أعلم.
وقوله : (لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً) : يحتمل قوله : (وَعْداً مَسْؤُلاً) مما سألته لهم الملائكة ؛ كقوله : (رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ ...) الآية [غافر : ٨] ، وسؤال الرسل ؛ كقوله : (رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ ...) الآية [آل عمران : ١٩٤] ، أو وعدا مسئولا مما سألوا ربهم ، فوعد لهم ذلك ؛ فهذا يدل أنهم إنما يدخلون الجنة بالسؤال والتشفع لهم والتضرع ، لا أنهم يستوجبون ذلك بأعمالهم.
وقال بعضهم في قوله : (وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ) : في السلاسل وذلك أنهم إذا ألقوا فيها تضايق عليهم كتضايق الزج في الرمح ، فالأسفلون يرفعهم اللهب ، والأعلون يخفضهم اللهب ، فيزدحمون في تلك الأبواب الضيقة فضايق عليهم ، فعند ذلك يدعون بالثبور ؛ يقولون : يا ثبوراه ويا ويلاه.
وروي مثله عن عبد الله بن عمر (١) ، وكان يقول : إن جهنم لتضيق على الكافر كضيق الزج في الرمح.
وقوله : (دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً) يقول : ويلا وهلاكا ، قال الله تعالى : (لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً) : ثم قيل : (أَذلِكَ خَيْرٌ) يعني : الذي ذكر ، (أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً) لأعمالهم ، (وَمَصِيراً) أي : منزلا.
قال أبو عوسجة : التغيظ : من الغيظ ، والزفير : الشهيق يكون في الحلق ، وشهق يشهق شهيقا وشهقا ، وهو نفس في الحلق شديد له صوت.
وقال (٢) : (ثُبُوراً) أي : إهلاكا ، وصرفه : ثبر يثبر ثبرا وثبورا ، فهو ثبور.
__________________
(١) أخرجه ابن المبارك في الزهد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق قتادة عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ١١٧).
(٢) قاله الضحاك ، أخرجه ابن جرير (٢٦٢٩٣) ، وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ١١٧).