أعلم.
ثم اختلف في قوله : (أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ) ؛ اختلف في تلاوته ، وتأويله : (أَنَّ النَّاسَ) بنصب الألف ، و (أَنَّ النَّاسَ) بكسرها (١) ، فمن قرأ بالنصب : ان الناس جعل ذلك القول من الدابة ، ثم يخرج على وجهين :
أحدهما : تقول الدابة : إن الناس كانوا بي وبخروجي لما وعدوا لا يوقنون أني أخرج ، فها أنا ذا خرجت.
والثاني : أنها تخبر عن الله وتنبئ أن الناس كانوا بالدابة وبغيرها من الآيات لا يوقنون.
ومن قرأ بالخفض (ان) يجعل ذلك القول من الله ابتداء إخبار : أنهم كانوا لا يزالون لا يوقنون.
وفي خروج الدابة أعظم آيات في إثبات رسالة رسول الله ونبوته ؛ لأنه أخبر أنها تخرج في وقت كذا ؛ فتخرج على ما أخبر في ذلك الوقت على الوصف الذي وصف ؛ فتدلهم على صدقه.
قوله تعالى : (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ (٨٣) حَتَّى إِذا جاؤُ قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨٤) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ (٨٥) أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٨٦) وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ (٨٧) وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ (٨٨) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (٨٩) وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(٩٠)
وقوله : (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا) : يجمع القادة منهم والأتباع والمتبوعون ، فيساقون إلى النار جميعا ؛ كقوله : (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ ...) الآية [الصافات : ٢٢] ، وكقوله : (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا ...) الآية [الزمر : ٧١] ؛ وكقوله : (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ) [الصافات : ١٩].
قال أهل التأويل : (٢) (يُوزَعُونَ) أي يحبس أولهم على آخرهم حتى يجتمعوا ، وقد ذكرنا الوزع فيما تقدم وما قيل فيه.
__________________
(١) ينظر : اللباب (١٥ / ٢٠١ ، ٢٠٢).
(٢) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير (٢٧١١٢) ، وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢٢١) ، وعن قتادة أخرجه ابن جرير (٢٧١١٣).