البصر لما ليس شيء أخف على المرء من لمح البصر ؛ فعلى ذلك النفخ عند قيامها لخفته على الخلق.
ومنهم من يقول : ذكر النفخ لسرعة نفاذ الساعة ؛ إذ ليس شيء أسرع نفاذا من النفخ ، وهو ما قال : إلا صيحة ، وإلا رجفة ، ذكر ذلك وشبهها بالصيحة والرجفة لسرعة نفاذها ؛ إذ ليس شيء أسرع نفاذا من الصيحة والرجفة ، فيقول : ليس على حقيقة النفخ ، ولكن إخبار عن خفتها على الله أو سرعة نفاذها على ما ذكرنا ، وهو ما قال : (فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا) [التحريم : ١٢] ، ليس أنه ينفخ فيه نفخا ، ولكن يجعل كأنه قال : وجعلنا فيه من روحنا.
ومنهم من يقول : هو على حقيقة النفخ ، فإن كان على هذا فهو أن يمتحن الملك من غير أن يقع له الحاجة إلى ذلك ؛ نحو ما امتحن الكرام الكاتبين بكتابة أعمال الخلق وأفعالهم من غير وقوع الحاجة إليه ، لكن امتحانا منه ملائكته بذلك ، أو أن يكونوا أحذر ؛ إذ هو عالم بما كان وبما يكون كيف يكون؟ ومتى يكون وأي شيء يكون؟
وأما اختلافهم في عدد النفخ : قال قائل : إنه واحد يحتج بقوله : (إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) [يس : ٢٩].
ومنهم من يقول بالنفختين ؛ يحتج بقوله : (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ. تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ) [النازعات : ٦ ، ٧] ، أخبر أنه يردف الأولى غيرها ، ويحتج بقوله أيضا : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى) [الزمر : ٦٨].
ومنهم من يقول بالنفخات الثلاث يقول : الأولى للفزع ، والثانية للصعق على ما ذكرنا في الآية ، والثالثة للإحياء.
ومنهم من يقول بالثلاث إلا أنه يجعل ذلك كله بعد الموت :
أحدها للفزع في القبور ، والثانية للإحياء فيها ، والثالثة للإخراج منها والنشر ، ويقول هذا القائل بعذاب أهل القبر من النفخة الثانية إلى النفخة الثالثة ؛ وعلى ذلك رويت أخبار في ذلك ، فإن ثبتت فهو ذاك وإلا نقف فيه.
وأمّا اختلافهم في الصور : قال قائلون : ينفخ في الخلق ، والصور جمع صورة ؛ قال : الزجاج : لا يحتمل هذا ؛ لأن الصور على سكون الواو ليس هو من أفراد الصور ولا من جمعها ؛ لأن الفرد هو صورة بالهاء وجمع الصورة صور ـ بتحريك الواو ـ على ما ذكر في الآية : (فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) [غافر : ٦٤].
ومنهم من يقول : هو قرن ينفخ فيه كقرن كذا ، أو بوق كبوق كذا.
لكنا لا نفسر شيئا مما ذكر من النفخ والصور أنه كذا ، ولا نشير إلى شيء أنه ذا ، إلا إن ثبت شيء من التفسير عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيقال به وليس هو بشيء يوجب العمل به