قولهم : إذا شاء ذلك لهم شاء ألّا يملأ جهنم منهم ، فذلك خلف في الوعد وكذب في القول على قولهم.
قوله تعالى : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٤) وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (١٥) قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٦) قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ (١٧) فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (١٨) فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (١٩) وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (٢٠) فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٢١)
وقوله : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى) : قال بعض أهل التأويل (١) : الأشد : هو ما بين ثماني عشرة سنة إلى ثلاثين سنة ، ثم هو ما بين الثلاثين إلى الأربعين استواء الشدة ، ثم يأخذ بعد الأربعين في النقصان ، ثم غيّر بعمره (٢) إلا أربعين سنة.
وقال بعضهم : بلغ أشده : ثلاث وثلاثون سنة واستوى : أربعون ، وعن ابن عباس (٣) مثله.
وقال بعضهم (٤) : بلغ أشده قال : الأشد : الحلم ، والاستواء : أربعون سنة.
وأصل الأشد : أن يشتد كل شيء منه ، وصار يحتمل ما قصد به وجعل فيه ، ويدخل في ذلك العقل وكل شيء.
واستوى : أي استوى ذلك واستحكم ، وصار بحيث يحتمل ذلك.
وجائز أن يكون الاستواء هو الأشد الذي ذكره.
وقال أبو عوسجة والقتبي (٥) : واستوى : أي استحكم وانتهى شبابه واستقر ، فلم يكن
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب المعمرين من طريق الكلبي عن أبي صالح عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢٣١).
(٢) كذا في أ.
(٣) أخرجه ابن جرير (٢٧٢٤٥) ، وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والمحاملي في أماليه من طريق مجاهد عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢٣١).
(٤) قاله ابن زيد أخرجه ابن جرير عنه (٢٧٢٤٨).
(٥) ينظر : تفسير غريب القرآن ص (٣٢٩).