(يَأْتَمِرُونَ) : قال بعضهم (١) : يتشاورون في قتلك.
وقال الزجاج (٢) : (يَأْتَمِرُونَ بِكَ) أي : يأمر بعضهم بعضا أن يقتلوك.
وقال القتبي (٣) : (يَأْتَمِرُونَ) : أي يهمون في قتلك ، وذكر عنه أنه قال : (يَأْتَمِرُونَ) : يتشاورون بك ؛ وهو قول أبي عوسجة.
وأصل الائتمار في اللغة هو الطاعة والاتباع لما يؤمر من الفعل ، كأن فرعون أمر الملأ أن يقتلوه فأطاعوه وائتمروا لأمره ، والله أعلم.
وقوله : (فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) : قال الزجاج : قوله : (لَكَ) صلة ، والصلة لا تتقدم الموصول به ، ولكن معناه : فاخرج إني لك من الناصحين الذين ينصحون لك ، وليس كما قال ؛ الصلة تتقدم وتتأخر ، وذلك ظاهر في الكلام.
وقوله : (فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ) : قد ذكرنا هذا.
دل قوله : (خائِفاً يَتَرَقَّبُ) : أن الخوف قد يكون من دون الله.
وجائز أن يخاف من غيره ، وليس كما يقول بعض الناس : إنه لا يسع الخوف من دون الله ، وحقيقة الخوف تكون من الله يخاف أن ينتقم منه على يدي هذا ، والله أعلم.
وقوله : (رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) : يحتمل الظالم كل مشرك ؛ لأن كل مشرك ظالم.
ويحتمل قوله : (رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) حيث هموا قتله ، وقتل موسى ذلك القبطي لم يوجب عليه القتل والقصاص ؛ لأنه لم يتعمد قتله أو لم يقتله بسلاح يجب به القتل ، فذكر أنهم فيما هموا قتله ظلمة.
قوله تعالى : (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ (٢٢) وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ (٢٣) فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (٢٤) فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٥) قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (٢٦) قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧) قالَ ذلِكَ بَيْنِي
__________________
(١) قاله البغوي (٣ / ٤٤٠).
(٢) ينظر : معاني القرآن وإعرابه (٤ / ١٣٨).
(٣) ينظر : تفسير غريب القرآن (٣٣١).