وقال أبو عوسجة : (قَوْماً بُوراً) : لا خير فيهم ، ورجل بائر ؛ وكذلك قال ابن زيد (١) : بورا أي : ليس فيهم من الخير شيء.
وقال قتادة (٢) : بورا : فاسدين ، بلغة أهل عمان ، وقال : «ما نسي قوم ذكر الله قط إلا باروا وفسدوا».
وقوله : (وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً) : أما على قول بعض الخوارج : كل ظلم ارتكبه فهو في ذلك الوعيد على أصل مذهبهم.
وعلى قول المعتزلة : كل صاحب كبيرة في ذلك الوعيد.
وأما على قول المسلمين : فذلك الوعيد لمرتكبي الظلم : ظلم كفر وشرك ، وأمّا ما دون ذلك فهو في مشيئة الله : إن شاء عذبه ، وإن شاء عفا عنه.
وقوله : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ) : قد ذكرنا فيما تقدم أن هذا إنما أخرج جوابا لقول أولئك : (ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ) ، فأخبر أن الرسل الذين كانوا من قبل محمد كانوا يأكلون الطعام ، ويمشون في الأسواق على ما يأكل هو ويمشي.
ثم من الناس من كره الركوب في الأسواق بهذا ، وقال : إنه أخبر عن الأنبياء والرسل جملة أنهم كانوا يمشون في الأسواق ، لم يذكر منهم الركوب ؛ فدل ذلك منهم أنه مكروه منهي عنه ؛ فيشبه أن يكون ما قال هؤلاء ، وأنه يكون مكروها ؛ لأنه يخرج الركوب في الأسواق مخرج التعزز والمباهاة ؛ فالواجب على كل مسلم أن يكون تعززه بالإسلام وبدينه الذي اختاره الله تعالى ، وخاصة على العلماء يجب أن يكون تعززهم ومباهاتهم بالعلم الذي أعطاه الله لهم وأكرمهم ؛ فإنه عز لا يعقبه ذلّا : ولا يورثه صغارا ولا قهرا ، وأمّا كل عز كان سوى ما ذكرنا فهو إلى ذل ما يصير سريعا ، كأنه ليس بعز في الحقيقة ، ولو تأصّل ، والله أعلم.
وقوله : (وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً) : الفتنة كأنها هي المحنة التي فيها شدة وبلاء.
ثم قال أهل التأويل : إنه لما أسلم عبد الله وأبو ذر وعمار وبلال وصهيب وأمثال هؤلاء ، قال الفراعنة من قريش نحو أبي جهل والوليد وأمثالهما : انظروا إلى هؤلاء الذين اتبعوا محمدا ، اتبعوه من موالينا وأعرابنا رذالة كل قوم ، فازدروهم وآذوهم واستهزءوا
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٢٦٣٠٣).
(٢) تقدم.