وقوله : (قالَ ذلِكَ) يعني : الشرط ـ والله أعلم ـ (بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ) أي : أوفيت وعملت ، إمّا الثماني وإما العشر (فَلا عُدْوانَ عَلَيَ) يقول : لا سبيل لك عليّ بعد ذلك ولا تبعة ، والعدوان : هو الظلم والمجاوزة عن الحدّ الذي حد له يقول : لا ظلم عليّ ولا مجاوزة على أي الاختيارين قضيت ، أيّ الأجلين اخترت وشئت لنا.
ثم قال : (وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ) قال بعضهم (١) : والله كفيل على مقالتي ومقالتك ، والوكيل : هو الشهيد أو الحافظ ، كأنه يقول : والله على ما نقول شهيد.
ذكر أن جبريل جاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «إن سئلت : أي الأجلين قضى موسى؟ فقل : أبرّهما وأوفاهما ، وإن سئلت : أي المرأتين تزوج؟ فقل : أصغرهما» (٢).
فإن ثبت هذا ، ففيه أنه قضى الأجلين جميعا : الثماني والعشر ، وليس في الآية إلا قضاء الأجل حيث قال : (فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ).
وقال القتبي : (عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي) أي : تجازيني من التزويج والأجر من الله إنما على الجزاء على العمل.
قوله تعالى : (فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٢٩) فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٣٠) وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (٣١) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٣٢) قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (٣٣) وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (٣٤) قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ) (٣٥)
وقوله : (فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ) قال أهل التأويل ما ذكرنا : أنه قضى أتمهما أو أكثرهما
__________________
(١) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير (٢٧٣٩٧).
(٢) أخرجه البزار وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وابن مردويه بسند ضعيف عن أبي ذر.
وأخرجه ابن مردويه عن أبي هريرة.
وأخرجه ابن جرير (٢٧٤٠١ ـ ٢٧٤٠٧) ، وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة ، في المصنف وعبد ابن حميد والبخاري وابن المنذر وابن مردويه ، من طرق عن ابن عباس موقوفا ، وروي عنه مرفوعا عند ابن جرير (٢٧٤٠٩) ، والبزار وأبي يعلى وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢٣٩ ، ٢٤٠).