أَهْدى مِنْهُما) ، أي : ائتوا بكتاب من عند الله أنه أمركم بعبادة الأصنام والأوثان ؛ لأنهم كانوا يعبدون الأصنام دون الله ، ويقولون : الله أمرهم بذلك ، ويقولون : هؤلاء شفعاؤنا عند الله ، وإن عبادتهم إياها تقربهم إلى الله زلفى ونحوه من الكلام ، فيقول ـ والله أعلم ـ : ائتوا بكتاب من عند الله : أنه أمركم بذلك هو أهدى منهما ، أي : أبين منهما وأوضح من هذين ؛ لأن هذين إنما جاءا بنهي عبادة غير الله ومنعها دونه ، يقول : ائتوا بكتاب هو أهدى وأبين عما جاء منه من هذين ، إن كنتم صادقين أن الله أمركم بذلك ، ويكون عبادتكم إياها على ما تزعمون ، هذا جائز أن يكون أقرب من الأول ، والله أعلم.
وقوله : (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ) : في إتيان ما تطلب منهم وتسأل من الكتاب ، (فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ) بغير علم ، وهم كانوا يعلمون : أنهم إنما يتبعون في عبادة الأصنام وتحريم الحلال وتحليل الحرام ـ أهواءهم ، ويجعلون هواهم هو الإمام ؛ إذ لا يؤمنون برسول حتى يكون لهم كتاب.
ثم قال : (وَمَنْ أَضَلُ) ، أي : لا أحد أضل (مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ) ، أي : من غير بيان من الله ـ (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ، أي ـ والله أعلم ـ : إن الله لا يهدي قوما يتبعون أهواءهم ، لا يتبعون الحجج والبراهين لا يهديهم ما داموا في اتباع هواهم.
أو لا يهدي القوم الذين ظلموا الحجج والبراهين ، والله أعلم.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥١) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (٥٢) وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (٥٣) أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٥٤) وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ (٥٥) إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (٥٦)
وقوله : (وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) : اختلف فيه :
قال قائلون (١) : هو القرآن ، ثم يخرج على وجهين :
أحدهما : وصل القرآن بعضه ببعض حتى خرج كله موافقا بعضه بعضا مصدقا مجتمعا غير مختلف ، وإن فرق في الإنزال على تباعد الأوقات وطول المدد.
(لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) : أن مثل هذا لا يكون إلا ممن يعلم الغيب ، ولا يعزب عنه شيء ولا
__________________
(١) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير (٢٧٤٩٨) وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢٤٩).