وقال أهل الكلام : الرجاء : هو الرجاء لا الخوف ، لكن جائز أن يكون في الرجاء خوف ، وفي الخوف رجاء ؛ لأن الرجاء الذي لا خوف فيه هو أمن ، والخوف الذي لا رجاء فيه إياس ، فكلاهما مذمومان : الإياس والأمن جميعا.
وقوله : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا) : جائز أن يكون قولهم : لو لا أنزل علينا الملائكة رسلا دون أن أنزل البشر رسلا إلينا ؛ لإنكارهم البشر رسولا ؛ كقولهم : (ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ).
ويحتمل قولهم : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ) : بالوحي والرسالة لنا دونك ، ونحن الرؤساء والملوك والقادة دونك ؛ يقولون : لو كان ما تقول حقّا وصدقا أنك رسول ، وأنه ينزل عليك الوحي والملك فنحن أولى بالرسالة منك ؛ إذ نحن الملوك والرؤساء ؛ كقولهم : (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) وأمثال هذه الأفكار.
ثم الرسالة لمن هو دونهم في الدنياوية.
أو أن يكون ذلك ؛ كقولهم : (لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً .... أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ) أي : رسول أو نرى ربنا عيانا ونكلمه ونسأله عن ذلك ، والله أعلم.
وقوله : (لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ) : الاستكبار : هو ألا يرى غيره مثلا له ، ولا عدلا ولا شكلا في نفسه وأمره ، فإن كان هذا فهو ما لم يروا رسول الله أهلا للرسالة وموضعا لها ؛ لفقر ذات يده وحاجته ، ورأوا أنفسهم أهلا لها ، فاستكبارهم هو ما لم يروا غيرهم مثلا ولا شكلا لأنفسهم ؛ فاستكبروا ولم يخضعوا لرسول الله ، ولم يطيعوه ، ولم يتبعوه أنفا منه ، بعد علمهم أنه محق في ذلك وأنه رسول إليهم.
وقوله : (وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً) : قال بعضهم : العتو : هو الجرأة ، وهو أشدّ من الاستكبار.
وقال بعضهم : العتو : هو الغلو في القول غلوا شديدا.
وقال بعضهم : هو من التكبر.
وقوله : (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً) : قال الحسن (١) : حجرا محجورا : كلمة من كلام العرب ؛ إذا كره أحدهم الشيء قال : حجرا حرام هذا ، فإذا رأوا الملائكة كرهتهم ، وقال : حجرا محجورا ، فعلى هذا القول الكفرة هم يقولون :
__________________
(١) عنه وعن قتادة أخرجه ابن جرير (٢٦٣١٩) ، وعبد الرزاق وابن المنذر وابن المنذر وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٥ / ١٢١).