يوافقونهم في العمل ، فكررت هذه الأنباء والآيات عليهم وأعيدت مرة بعد مرة ، وإن كان أولئك لا يستمعون إليها للوجوه التي ذكرنا (١).
والرابع : كررت غير مرة لما لعلهم لا يقبلون في وقت ويقبلون في وقت ، فيقولون : لو كررت وأعيدت لقبلنا ، فكررت وأعيدت لئلا يقولوا بأنها لو أعيدت وكررت لقبلناها ، والله أعلم.
وقوله : (وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً) : قيل (٢) : شهيدها رسولها ؛ كقوله : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ ...) الآية [النساء : ٤١] ، وقوله : (وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً) [النحل : ٨٩] ونحوه ، سمي : شهيدا ؛ لأنه شهد على ما عملوا ، وحضر ما كان منهم ـ والله أعلم ـ من التكذيب والقبول والرد.
(فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ) : في تسميتكم الأصنام : آلهة ، أو في استحقاقها العبادة ، أو في زعمكم : هؤلاء شفعاؤنا عند الله ونحو ذلك ، يقول : هاتوا برهانكم وحجتكم على ما زعمتم.
وقوله : (فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ) : هذا أيضا يحتمل وجوها :
أحدها : علموا أن الألوهية والربوبية لله.
أو علموا أن الشفاعة لله لا للأصنام التي عبدوها ليكونوا شفعاء لهم عند الله ؛ كقوله : (قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً) [الزمر : ٤٤].
أو أن يكون : أن الحق الذي عليهم وهي العبادة لله.
أو أن يكون ما جاء به الرسل من الحق إنما جاءوا به من عند الله.
(وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) أي : ضل عنهم ما كانوا يأملون من عبادتهم تلك الأصنام من الشفاعة والزلفى.
قوله تعالى : (إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (٧٦) وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ
__________________
(١) ثبت في حاشية أ : ذكر الله ـ سبحانه وتعالى ـ المعاملة مع الكفرة في الآخرة بما خالفوا الله تعالى من طريق الاعتقاد ، وتركوا الإيمان ؛ ليكون زاجرا للمؤمنين على المخالفة في أوامره ونواهيه ؛ لئلا يعاملوا في العمل السيئ كما يعامل الكفرة في الاعتقاد السيئ. قوله : لأن المؤمنين ... إلخ. شرح.
(٢) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير (٢٧٥٦٠) و (٢٧٥٦١) ، والفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢٥٨).