واعلموا أنه لا يفلح الكافرون ، لكن الله يبسط الرزق لمن يشاء ، ولكنه لا يفلح الكافرون.
وقال بعضهم : ألم تر أن الله يبسط الرزق ، وأ لم تر أنه لا يفلح كذا.
وقال الزجاج (١) : «وي» مقطوعة من (كأنّ) وهو حرف يفتتح به التندم ، ثم ابتدأ بقوله : كأنه لا يفلح الكافرون (٢).
ثم في الآية دلالة نقض قول المعتزلة في وجوب الأصلح على الله ؛ لأنهم ذكروا منّة الله في منعه إياهم ما تمنوا بالأمس مما أوتي قارون ، فلو كان ما أعطي قارون أصلح له في دينه لم يكن في منعه عن هؤلاء منة ؛ دل أن ما أعطى قارون لم يكن أصلح له ، بل المنع أصلح له ، وأن ليس على الله حفظ الأصلح للعباد في الدّين.
وقوله : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) في ظاهرها : أن كل من لا يريد العلوّ في هذه الدنيا ولا الفساد فيها يكون من أهل نعمة الله ، وكذلك ما ذكر من الدار الآخرة ، وجهنم هي من دار الآخرة أيضا ، لكن الآية تخرج على وجهين :
أحدهما : كأنها نزلت في رؤساء الكفرة وكبرائهم من الذين كانت همتهم في التكبر والتجبر على الرسل ، والفساد فيها ، في صرف الناس عن دين الله واتباع الرسل ، فقال ـ والله أعلم ـ : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ) ـ أي : الجنة ـ ليست لهؤلاء ، ولكن لمن تواضع للرسل ، ودعا الناس إلى دين الله واتباع الرسل.
والثاني : تكون الآية في الذين كانوا يعملون بالخيرات والطاعات منهم في نحو صلة الأرحام والصدقة على الفقراء والإنفاق في ذلك ، فأخبر أنهم وإن كانوا يعملون بتلك الأعمال فإنما يعملون للدنيا والعلو فيها لا للآخرة ، فتلك الدار الآخرة ليست لهم ، إنما هي للذين يعملون ويريدون بها الدار الآخرة.
وقوله : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ) : كأنه يقول : تلك الدار التي دعوا إليها ليست لمن ذكر ، وهي الدار التي قال الله فيها : (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ) [يونس : ٢٥] ، فالدار الآخرة هي الدار التي دعوا إليها وهي الجنة ؛ الدار الآخرة على الإطلاق : الجنة ؛ كالكتاب المطلق كتاب الله ، والدين المطلق : دين الله ، ونحوه.
وقوله : (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) أي : تلك الدار الآخرة للمتقين.
وقوله : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) يخرج على وجوه :
__________________
(١) ينظر : معاني القرآن وإعرابه (٤ / ١٥٧).
(٢) ثبت في حاشية أ : وقال أبو عوسجة : (ويكأنّ): (ويك) ، مثل قولك (ويلك) طرحت منه الألف والنون.