سورة العنكبوت كلها مكية (١)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قوله تعالى : (الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ (٣) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٤) مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٥) وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ)(٦)
قوله ـ عزوجل ـ : (الم) : قد ذكرناه في غير موضع.
وقوله : (أَحَسِبَ النَّاسُ).
قوله : (أَحَسِبَ) : هو وإن كان في الظاهر استفهاما فهو على الإيجاب لا الاستخبار ؛ إذ حقيقة الاستفهام والاستخبار إنما تكون ممن يجهل الأمور فيستخبر ويستفهم ليعرف ذلك ، فالله سبحانه يتعالى عن أن يخفى عليه شيء ، فهو على التقرير والإيجاب منه لذلك.
ثم يخرج قوله : (أَحَسِبَ النَّاسُ) على أحد وجهين ؛ [أحدهما] أي : قد حسب الناس. والثاني : أي : لا يحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا : آمنا.
وقوله : (أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا) : ذكر الإيمان ولم يذكره بمن؟ بالله أو بغيره؟ وليس أحد من الخلائق إلا وهو يؤمن بأحد ويكفر بغيره ، وليس في الآية بيان الإيمان به أو بمن؟ إلا أن الله تعالى سخر الخلق على الفهم من الإيمان المطلق المرسل : الإيمان بالله وبرسله ، وسخرهم حتى فهموا من الكتاب المطلق : كتاب الله ، والدار الآخرة : الجنة ، وأمثال ذلك ما فهموا من الكتاب المطلق : كتاب الله ، وفهموا ما ذكرنا من الإيمان المطلق : الإيمان بالله وبرسله ، وفهموا أيضا من الدين المطلق : دين الله ؛ فيكون قوله : (أَنْ يَقُولُوا) آمنا بالله أو برسله.
وقوله : (وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) أي : لا يبتلون ، والفتنة : هي الابتلاء الذي فيه الشدة ، يمتحن الله عباده باختلاف الأحوال : مرة بالضيق والشدة ، ومرة بالسعة والرخاء وأنواع العبادات ؛ ليكون ذلك علما للخلق في صدق الإيمان به والكذب به والكذب فيه ، فيعرفوا صدق كل مخبر عن نفسه الإيمان بالله تعالى وكذبه ؛ إذ قد يجوز أن يكون فيما يخبر
__________________
(١) ثبت في حاشية أ : يقول قتادة : عشر آيات من أولها مدنية وسائر الآيات مكية ، والله أعلم بالصواب.