١١٥] صير خلقهم لا للرجوع إليه لعبا باطلا.
وقوله : (فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) : بما يقولون ويظهرون ، والعليم بما يضمرون ويسرون ؛ لأن القصة قصة المنافقين.
أو السميع المجيب العليم بحوائجهم وأمورهم ، والله أعلم.
وقوله : (وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ) ، وكذلك قوله : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) [فصلت : ٤٦] ، وقوله : (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) [الإسراء : ٧] ، أي : فعليها.
ففي هذا : أن الله إنما امتحن الخلائق لا لحاجة له فيما امتحنهم من دفع مضرة أو جر نفع ، لكن إنما امتحنهم لحاجة أنفسهم في دفع المضار وجر المنافع ؛ وكذلك إنما أنشأ الدنيا وهذا العالم فيها لا لحاجة له في إنشاء ذلك ، ولكن لحوائج أنفسهم ، وكذلك ما أنشأ من الخلائق سوى البشر إنما أنشأ البشر وله سخر جميع ذلك ، وجعل البشر بحيث يقدر على استعمال جميع ذلك لمنافع أنفسهم وحاجتهم ، وهو ما ذكر في غير آي من القرآن حيث قال : (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) [الجاثية : ١٣] ، وقوله : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) [البقرة : ٢٩] ونحو ذلك ؛ فعلى ذلك امتحن هذا العالم لحاجة أنفسهم في دفع مضار وجر نفع ؛ لذلك قال : (وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ) أي : لحاجة نفسه ومنفعة نفسه ، لا لمنفعة أو لحاجة لله تعالى.
(إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) : هذا تفسير ما ذكر.
ثم المجاهدة تكون مرة مع الشيطان والجن ، ومرة مع أعدائه من الإنس ، ومرة مع هوى النفس ، ومرة في أمر الدنيا ، كل ذلك مجاهدة في الله ؛ قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) [العنكبوت : ٦٩] ، والله أعلم.
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٧) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ)(٩)
وقوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) : كأن ما عملوا من الحسنات والصالحات يكفر بها سيئاتهم.
وقوله : (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) هذا يحتمل وجوها :
أحدها : أن جزاءهم الذي يجزون بتلك الأعمال أحسن من أعمالهم التي عملوا ؛ لأن قدر ذلك الجزاء عندهم أعظم وأحسن من قدر [ما علموا] من أعمالهم ؛ إذ ليس لأعمالهم