عنهم العذاب.
ثم اختلف في قوله : (وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ).
قال بعضهم : هذا قول إبراهيم لقومه ؛ كقوله : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ) [الصافات : ٩٥] ؛ وكقوله : (هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ) [الشعراء : ٩٣]. وقال بعضهم : هذا قول الرسول لقومه الذين عبدوا الأصنام ، والله أعلم.
وقوله : (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ).
قوله : (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ) يحتمل وجهين :
أحدهما : قوله : (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ) أي : أظهر له لوط الإيمان من بين غيرهم ، وقد كان لوط مؤمنا من قبل ليس أنه أحدث له الإيمان في ذلك الوقت ، ولم يكن مؤمنا قبل ذلك ، ولكن ما ذكرنا أنه أظهر له الإيمان من بين غيرهم.
والثاني : (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ) فيما دعاه إليه وهو الهجرة ، أي : فيما أخبر أنه أمر بالهجرة فاستصحبه فيها.
وقوله : (مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي) : قال أهل التأويل (١) : هذا قول إبراهيم كقوله : (إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي) [الصافات : ٩٩].
وجائز أن يكون قوله : (إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي) قول لوط.
ثم لم يفهم من قوله : (إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي) ، وقوله : (إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي) [الصافات : ٩٩] انتقاله أو المكان أو شيء مما يوجب التشبيه مما يفهم من الخلق ، فكيف يفهم من قوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ) [البقرة : ٢١٠] ، وقوله : (وَجاءَ رَبُّكَ) [الفجر : ٢٢] و (اسْتَوى) [البقرة : ٢٩] وأمثاله ـ ما يفهم من مجيء الخلق وإتيانهم واستوائهم؟ إذ لا فرق بين مجيء آخر إليه وبين مجيئه إلى آخر ؛ هذا في الشاهد سواء ، فكيف فهم في الغائب في أحدهما ما لم يفهم من الآخر ، وهما سيان في الشاهد؟! فدل أنه لا يجوز أن يفهم منه شيء من ذلك ما يفهم من الخلق ؛ إذ أخبر أنه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١].
وقوله : (وَوَهَبْنا لَهُ) يعنى : لإبراهيم ، (إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) : ذكر أنه وهب له إسحاق ويعقوب ؛ ليعلم أن الولد هبة الله ، وكذلك ولد الولد ؛ لأن يعقوب كان ولد ولده ، حيث قال : (فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ) [هود : ٧١] فكلهم هبة الله إياه ، قال :
__________________
(١) قاله ابن عباس وابن زيد والضحاك ، أخرجه ابن جرير عنهم (٢٧٧٢٩) و (٢٧٧٣١) و (٢٧٧٣٣) ، وانظر : الدر المنثور (٥ / ٢٧٥).